عدّاد للإنترنت وآخر للصواريخ

مهند الحاج علي

الإثنين 2017/07/17

رغم كل الضجيج السياسي، تطفو أنباء إيجابية في لبنان. موسم السياحة نما بنسبة مهمة مقارنة بالعام الماضي. حجوزات الفنادق أعلى بنسبة 25 في المئة بأقل تقدير، عمّا كانت عليه عام 2016. حتى طرابلس المُضطربة أمنياً خلال السنتين الماضيتين، شهدت نمواً في السياحة الثقافية والدينية، بحسب مجلس السياحة فيها. طوال شهر رمضان الماضي، استضافت المدينة حلقات إنشاد ورقص للدراويش الصوفيين، واستقبلت سياحاً من العالمين العربي والإسلامي. بغض النظر عن أرقام الزوار، يُعتبر هذا التحول نوعياً لمدينة كانت حتى وقت قريب مسرحاً لمعارك عنيفة.

إلى جانب طرابلس، هناك خبران متساويان في أهميتهما. أولاً، سرعة الانترنت ترتفع بنسبة مئوية عالية نسبة للسنوات الماضية، وتتضاءل كلفتها على المستخدمين. ورغم أن التطور النوعي في سرعة الانترنت غير متوقع قبل سنة وأكثر عبر مد الألياف البصرية وتشغيلها من خلال شركات سياسية، إلا أن التقدم في هذا المجال يبقى نقلة نوعية عن سُبات السنوات الماضية. بيد أن رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري صار يعتمد على مثل هذه الانجازات الخدماتية لزيادة شعبيته المتدهورة، سيما أن نهجه التوافقي يُضعف قدرته على التجييش الطائفي. لا خيار سوى الإنجاز على المستوى الخدماتي، وإلا فإن مجزرة تنتظره في صناديق الاقتراع.

والانجاز حاجة ملحة أيضاً لأغلب مكونات السلطة في أعقاب حراك صيف عام 2015 ونتائج الانتخابات البلدية العام الماضية، وفي ظل موسم التوريث. لذا فإن اتفاقات وزارات التربية والمالية والأشغال العامة والنقل مع البنك الدولي الشهر الماضي، شملت مشاريع طموحة ولافتة لتعزيز المواصلات مثل إقامة خط خاص بالحافلات العامة على الطريق البحري بين بيروت وجونية للتخفيف من أزمة السير الخانقة وتنشيط الاقتصاد.

هذه الأخبار طيبة، وبخاصة اعادة تشغيل عدّاد الانترنت، قد تحصد نمواً مقبولاً في الاقتصاد خلال السنة المقبلة، علاوة على استثمارات ووظائف يحتاجها السكان. كل ذلك صحيح. لكن علّمتنا تجارب السنوات الماضية توخي الحذر من الإكثار في التفاؤل، لأن هناك عدّاداً آخر لمستقبل مختلف جداً عمّا نصبو اليه. هو عدّاد الصواريخ وحروبه.

في أيار عام 2005، كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن لديه أكثر من 12 ألف صاروخ قادر على الوصول الى أنحاء الشمال الإسرائيلي. بعدها جاءتنا حرب تموز المدمرة. ثم خرج في 22 أيلول عام 2006، أي بعد شهر ونيف على انتهاء حرب تموز، للقول مبتسماً إن لدى حزبه 20 ألف صاروخ وأكثر. كان هذا العدّاد الحزب اللهي: الجوهر هو الصواريخ، كلما ازدادت، كسبنا. وهذا الانشغال بعدد الصواريخ، أخلّ حتى بمنطق الرياضيات، عندما طرح الأمين العام معادلة حسابية غريبة في مقابلة مع قناة دبي عام 2007. حينها، شرح نصر الله بأنه عندما أعلن امتلاكه ”اكثر من 12 الف صاروخ … يعني ممكن أن يكونوا 14 الفاً، 15 الفاً، 50 الفاً، 60 الفاً، 80 الفاً“. كانت تلك بمثابة الضربة القاضية لمنطق العدّاد الصاروخي للحزب. فإذا كان لديه 80 ألف صاروخ، لماذا تحديد رقم 12 ألفاً وليس 13 أو 14؟ ألا يعتقد العدو بأن لديه 12 ألفاً و999 صاروخاً بأقصى حد؟ ثم لماذا رفع العدد بعد شهر الى 20 ألفاً بدلاً من 30 أو 40؟ لكن لا بد أن هناك معادلة ذكية في الرياضيات تنحصر مفاتيحها في حارة حريك. وسُرعان ما افتتح نصر الله عدّاداً جديداً على علاقة بتطور قدرة الحزب من اطلاق بين 300 و400 صاروخ، يومياً، إلى ما بين ألف و3 آلاف صاروخ. هناك عدّاد يومي، وآخر إجمالي.

ليست هذه النظرة حكراً على الحزب، بل يميل الإسلاميون عموماً إلى التبسيط. العالم كُفّار ومؤمنون، والأرقام تحسم معركة (مئات آلاف المجاهدين والصواريخ)، لا التكنولوجيا. 

عندما أدلى مؤسس تنظيم ”القاعدة“ أسامة بن لادن خطابه الشهير بأن العالم فسطاطان، كفر وإيمان، لاقاه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن، في منتصف الطريق بجملة ”من ليس معنا فهو ضدنا“. قيل حينها إن العالم فعلاً فسطاطان، لكن واحدهما يضم بوش وبن لادن سوية، والثاني بقية البشر الساعين لسبل عيش بعيداً عن الحروب المدمرة. ونحن في لبنان لسنا ببعيدين عن هذا المنطق. لدينا عدّادان، واحد لسرعة الانترنت وعدد السياح والوظائف الجديدة، وآخر للصواريخ. 

انفصام لا ينفك يُفاجئنا في تباعد شطريه، كلما تبخر مفعول مسكنات الأخبار الإيجابية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024