ادارة ترامب واسرائيل

مهند الحاج علي

الإثنين 2018/01/08

ليس في واشنطن حديث أهم من كتاب "النار والغضب" لمايكل وولف عن ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. القنوات التلفزيونية أعطت الكتاب دفعاً، سيما أن ترامب نفسه أطلق سلسلة ردود وانتقادات على موقع تويتر وفي تصريحات اعلامية. بيد أن الكتاب كشف للمرة الأولى آليات صنع القرار في الادارة من الداخل، والتوترات والصراعات داخل البيت الأبيض. حتى أن وولف نفسه اعتبر في حديث الى هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي)، كتابه بداية النهاية لترامب، إذ يُعريه أمام الناس. رغم أن الكتاب مليء بما يستحق الكتابة عنه، لكن القسم المرتبط بإسرائيل والعالم العربي لم يحظ بالتغطية المطلوبة.

أول ذكر لإسرائيل في الكتاب جاء في رواية كبير المخططين السابق في البيت الأبيض ستيف بانون، عن محاولته تعيين جون بولتون الديبلوماسي اليميني الشهير في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، مستشاراً للأمن القومي. لا يقبل ترامب ببولتون لأن منظره بالشاربين غير لائق بالمنصب. روجير آيلز، الرئيس السابق لشبكة "فوكس" الإخبارية وأحد أصدقاء ترامب وعرّاب بانون، كان من الداعمين لتعيين بولتون، لأنه "ورغم غرابته وكونه أخرق، من لدينا أفضل منه حيال اسرائيل؟". بالخلاصة، كان في الحلقة القريبة للرئيس الأميركي من يسعى لتعيين مستشار للأمن القومي على أساس سمة وحيدة: الدعم الأعمى لإسرائيل.

وبانون هو أيضاً الرئيس التنفيذي لموقع "برايتبارت" اليميني والعنصري الذي يُحرّض على المهاجرين سيما المسلمين منهم، وينشر معلومات مغلوطة طال بعضها لبنان. ترك بانون الموقع السيء الصيت بعد تعيينه في البيت الأبيض، لكنه عاد اليه بعد فصله من وظيفته.

ولبانون دور في التخطيط للخطوة الأميركية الأكثر أهمية حيال الشرق الأوسط: نقل السفارة الأميركية الى القدس. ينقل الكتاب عن بانون قوله لآيلز "من اليوم الأول سننقل السفارة الأميركية الى القدس. معنا (رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين) نتنياهو وأيضاً شيلدون (أديلسون، البليونير الاميركي-اليهودي). نعلم إلى أين نتجه في هذه المسألة". بعد استفسار آيلز عن خطة السلام المقترحة، شرح بانون الرؤية الأميركية -الاسرائيلية التي كشفت عنها السلطة الفلسطينية أخيراً، وتقضي بأن "يأخذ الأردن الضفة الغربية، ومصر غزة، فليتصرفوا بها … مصر والسعودية على حافة الهاوية، جميعهم يخشون فارس (ايران) … اليمن، سيناء، ليبيا… الوضع سيء". بالنسبة لبانون، تطور الصراع مع ايران وتردي الأوضاع الداخلية العربية، يُمثل فرصة سانحة كي تفرض الادارة الاميركية مثل هذه التنازلات المؤلمة على الجانب الفلسطيني والعرب.

واللافت في الكتاب كشفه جوانب من الصراع بين بانون من جهة، وجاريد كوشنير، صهر الرئيس، تحت عنوان من يُدافع أكثر عن اسرائيل. شكا بانون مرات للرئيس الأميركي من أن صهره ليس مدافعاً بالقدر الكافي عن اسرائيل، لكن كوشنير المتحدر من عائلة يهودية محافظة، كوّن قناعة بأن كبير المخططين في البيت الأبيض معاد للسامية رغم دفاعه عن الدولة العبرية. ترك الاسرائيليون الصراع على حاله، لا بل سعى نتنياهو، وهو صديق لعائلة كوشنير، إلى لقاءات مع كل منهما في رحلاته لواشنطن. كانت قلّة الحماس في دعم اسرائيل بمثابة "تُهمة" يُلقيها ستيف بانون كبير المخططين السابق في البيت الأبيض، على خصومه السياسيين لاقصائهم. بين هؤلاء مستشار الأمن القومي الاميركي هربرت ماكماستر.

لكن بانون لم يكن وحيداً في الدفع باتجاه تبني الموقف الاسرائيلي، بل أدار الملف بتوجيه ودعم من البليونير شيلدون أديلسون، أحد أبرز داعمي نتنياهو واليمين الاسرائيلي عموماً. في المقابل، جلب كوشنير حليفاً جديداً من عالم المال هو رئيس "غولدمان ساكس" غاري كوهين، لإدارة مجلس الاقتصاد الوطني، وليكون المستشار الاقتصادي لترامب. واستعان صهر الرئيس أيضاً بوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر.

كيسنجر المعروف بحدة ذكائه رغم تقدمه في السن، وصف الحال في مقابلة مع مؤلف الكتاب. "في البيت الأبيض، صراع بين اليهود وغير اليهود". كلاهما في جيب رجل واحد: بنيامين نتنياهو.








©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024