من يسعى لتعطيل عهد عون؟

منير الربيع

الخميس 2017/05/18
ما بين "عدس بترابه كل شي بحسابه" إلى الجهاد الأكبر الذي أعلنه الرئيس نبيه برّي، لدى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، يتأرجح العهد الجديد. يشبه العهد إعلان دولة لبنان الكبير. قبيل اللحظة الحاسمة، كان اللبنانيون منقسمين، منهم من يريد فرنسا، ومنهم من يريد الوحدة العربية، ليأتي إعلان الدولة كحلّ وسط ما بين المطلبين، كمن عقد قران شخصين كل واحد منهما يقيم في جانب من العالم، لا يلتقيان، ولا يتفقان، لكنهما متزوجان. تلك الولادة "القيصرية" وربما في الشهر السادس وليس السابع أو التاسع، ولّادة مستمّرة للأزمات، عاشها لبنان ولايزال. إلى حدّ بعيد يشبه العهد الجديد تلك "القيامة" لدولة لاتزال غارقة تحت ركام النوازع. سيكون العهد عهداً للمطبّات والاستحقاقات، وعند كل مفصل، ستتعطّل الدولة، إلى حين إنجاز تسوية أو صفقة.

قالها النائب وليد جنبلاط بشكل واضح: "بداية العهد متعثّرة". الكلمة كفيلة بالإشارة إلى ما هو أبعد منها، ثمة من يعتبر أنه لا يمكن لهذا العهد أن يسير بشكل ملائم، من يهتم بسلاسة مسيره، طرفان، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لكن ما يريدانه لا يتلاءم مع تطلّعات الآخرين. هل هناك من يريد عرقلة عهد عون؟ ليس هذا ثابتاً بعد، لكن ما يحصل يؤشر إليه. فعون عرقل أكثر من نصف عهد سلفه ميشال سليمان، لتحقيق ما يريد، فما المانع من أن يقدم الآخرون على عرقلة عهده، لمنعه من تحقيق ما يريد، وليحققوا ما يريدونه.

الخلافات الشخصية وفقدان الكيمياء بين عون وآخرين، جرى تخطّيها لمرحلة معيّنة. المسايرة لم تدم. بدأت الأسهم توجه إلى الرئيس. ومن يوجهها يعتبر أنها رد على أسهم أطلقها هو في البداية. في البداهة اللبنانية، خلاصة لدى الجميع، وكانت تسمع منذ الأيام الأولى لإنطلاق العهد، بأن بري وجنبلاط لن يدعا عون يحكم. أبدى الرجلان إيجابية، لكنهما تعرّضا لكثير من محاولات التحجيم، الإلغاء والانتقام، وجدا نفسيهما أمام خيار الردّ وعدم السكوت.

يفصل الزعيمان نفسيهما، عن تحالف ثابت وتقليدي مع الحريري، فلرئيس الحكومة، حسابات تختلف عن حساباتهما، وهي تصل إلى رهانه على إمكانية فصل عون عن حزب الله. ثمة من يعتبر أن هذا وهم. هذه النظرة سبق الحريري إليها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لكنه تراجع. يعتبر هؤلاء أن ميشال عون هو ميشال عون لا ولن يتغير. يريد الأخذ من الجميع وعدم إعطاء أحد. وفي اللحظة التي يرفض أحدهم إعطاءه ما يريد، يبدأ الهجوم العشوائي على غرار ما فعل الوزير جبران باسيل أخيراً، حين اتهم بري بشكل غير مباشر بالفساد وتدهور قطاع الكهرباء. يقدّم الحريري التفاهم مع رئيس الجمهورية وعدم الخروج عن ارادته، لكن هذا على حساب تحالفاته وثوابته وتياره وجمهوره. وهذه الحسابات تؤدّي بالحريري إلى التنازل لمصلحة عون بدون الحصول على مقابل. تماماً كما حصل مع جعجع.

تتفاقم الخلافات بين عون والأفرقاء. مع حزب الله حصل الخلاف في شأن قانون الانتخاب، والمسعى الإلغائي من قبل التيار الوطني الحر ضد تيار المردة، لكن بالتأكيد أحداً من الطرفين سيلجأ إلى مفاقمة الخلاف أكثر. حتى في مسألة العقوبات على حزب الله يلجأ عون إلى المواءمة بين حرصه على الحزب وحرصه الآخر على المجتمع الدولي. وهو سيرسل وفداً وزارياً وآخر حكومياً- نيابياً إلى واشنطن لبحث إمكانية تخفيف العقوبات. وتشير مصادر معينة إلى أن أقصى ما يمكن فعله هو التخفيف من حدة شمول هذه العقوبات. بمعنى أن لا تفرض وتتطبّق على كل بيئة حزب الله، بل على أفراد وشركات. وهو تنازل أيضاً، وقبل بالتمديد لحاكم مصرف لبنان في سبيل ذلك، لكن بعد الوصول إلى تفاهم مع الحاكم في شأن جملة أمور.

لا يمكن للحريري وحده أن يمنح الغطاء لعون. بدأت القوات بالتمايز عنه، من بواخر الكهرباء إلى النقاش في قانون الانتخاب. لن يستطيع القواتيون الاستمرار وفق رؤية العونيين. الكتائب والمستقلون يتمايزون عن العهد أيضاً. هذا على المستوى المسيحي. وعلى مستوى الثنائي الشيعي حدّث ولا حرج، الطرف الوحيد الذي استطاع "القبض" من عون، هو حزب الله. ولكن ذلك لا يمكن أن يستمر كما كان في السابق، قبيل وصول عون إلى بعبدا. على مقلب العلاقة العونية الجنبلاطية، الكيمياء مفقودة، خصوصاً في ظل استشعار جنبلاط إلغائية العونيين ورضوخ المستقبل لهم. وهذا ما يشعر جنبلاط بتخوف حقيقي من التحالفات الانتخابية في الشوف، خصوصاً إذا ما كان على خصومة مع تحالف تياري الوطني الحرّ والمستقبل. وهذا سيستدعي خطوات للمعالجة.

لن يكون قانون الانتخاب المطب الأخير الذي سيتعثّر معه عهد عون. هناك التعيينات المرتقبة، وتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات. الجهاد الأكبر سيكون في ملف النفط. وإذا ما عطّل عون مجلسي النواب والوزراء في العام 2010 لحين إقرار خطّة الكهرباء، هناك من سيعيد الكرّة معه في انتظار التوافق النفطي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024