الضربة الأميركية لسوريا: ماذا قالت واشنطن لإيران وحزب الله؟

منير الربيع

الأحد 2018/04/15

بعد إطالة في الأخذ والردّ، نفّذت أميركا وبريطانيا وفرنسا الضربة التي هللت لها منذ أيام. استهدفت الضربة بعض المواقع التابعة للنظام السوري، والتي اعتبرت أنها تحوي أسلحة كيماوية، أو انطلقت منها الطائرات التي قصفت دوما بالكيماوي. اللافت في ما جرى، هو أن معظم الأجواء الأميركية كانت تشير إلى أن الضربة تستهدف نفوذ إيران في المنطقة، وأن الأميركيين فتحوا باب إنسحاب الإيرانيين من سوريا، وقد طالبوا الروس بذلك. فيما الضربة لم تستهدف أياً من المواقع الإيرانية. وهذا يعني أن لا شيء في السياسة الأميركية تغيّر حتى الآن تجاه سوريا.

وفق ما يُنقل عن أجواء واشنطن فإن الرئيس دونالد ترامب اتخذ القرار بالرد بناء على شعور عاطفي. وهذا ما يدفع الجنرالات إلى لجمه وتحجيم تصعيده. ولا شك أن الجو الأميركي لا يشير إلى الاهتمام بالوضع في سوريا. وهذا لا يندرج في سياق خطة واشنطن في المنطقة. أما في الشق المتعلق بإيران، فليس لدى واشنطن وحلفائها العرب المقومات الكافية لمواجهة التمدد الإيراني. لأن الوجود العسكري الأميركي وحده لا يكفي. ولهذا السبب كان الموقف بسحب القوات العسكرية الأميركية من سوريا. لكن، طرحت مسألة أساسية من قبل حلفاء واشنطن في شأن كيفية مواجهة إيران ونفوذها في سوريا، ومن سيكون قادراً على المساعدة.

تعد الإدارة الأميركية دراسة عن كيفية ارضاء الحلفاء وتحجيم نفوذ إيران على المدى البعيد في سوريا. وقد طُلب أن تنجز الدراسة خلال سنة، لبحث ما يمكن فعله بعد سحب القوات العسكرية الإيرانية، لكن ضربة الكيماوي في دوما غيّرت مزاج ترامب الذي يكثّف اتصالاته مع حلفائه الخليجيين، فبدأ باتخاذ مواقف تصعيدية. في المقابل، اعتبر الأسد أنه قادر على استخدام الكيماوي بلا أي ردة فعل، طالما أن الأميركيين سينسحبون، وبأقصى حدّ فإن الضربة ستكون مماثلة لضربة الشعيرات.

يبدو أن القرار اختلف لدى ترامب، في سياق الضربة، ولكن بدون تغيير في الاستراتيجية الأميركية. الأساس، وفق المعطيات الجديد، هو إصرار واشنطن على ضمّ حلفاء لها، لا سيما فرنسا وبريطانيا. وهذا مؤشر إلى توسيع الأميركيين إطار عملهم، لعدم بقائهم وحيدين. وهنا، لا بد من التذكير بأن الرفض البريطاني لتوجيه ضربة إلى النظام السوري في العام 2013 كان عاملاً أساسيّاً في تراجع عن تهديداته. لكن موافقة لندن اليوم، منحت غطاء لترامب الذي أصر على توجيه الضربة.

هذه الحسابات، بالإضافة إلى بعض الاختلافات داخل الإدارة الأميركية، ولا سيما بين ترامب وجون بولتون من جهة، ووزير الدفاع جيمس ماتيس من جهة أخرى، هي ما أفضى إلى تأخير حصول الضربة، وتخفيف حدتها وحصرها بمخازن أو مصانع الأسلحة الكيماوية. ويتلاقى ذلك مع وجهة النظر الفرنسية، التي ترفض الانغماس في صراع أكبر، وتشدد على أن الضربة رد على استخدام الكيماوي. ولكن، كان هناك إصرار من جانب العسكريين على ضرورة اختلاف الضربة عن ضربة مطار الشعيرات في السنة الماضية، والتركيز كان على ضرورة إيذاء المخزون الكيماوي لمنع النظام من استخدامه مجدداً ولو لفترة معينة.

لا يمكن الجزم بوجود إرادة أميركية في شأن مواجهة إيران أو روسيا. روسيا أبلغت بالضربات، وكذلك النظام السوري. وقد استمر التواصل الأميركي الروسي طوال الفترة الماضية لتجنّب أي سوء تنسيق، ولتحييد موسكو. ولكن، كان هناك حزم أميركي بأنه لا يمكن وقف الضربة. وبخلاف النبرة العالية للروس، فإن الواقع على الأرض كان مغايراً، وهو تفهّم الضربة وأسبابها وعدم مواجهتها.

أما عن احتمالات ردّ الإيراني أو حزب الله، فتشير المعلومات من واشنطن إلى أن أميركا تعتبر أن أي ردّ من جانب إيران أو حلفائها سيواجه بردّ حاسم وحازم، وبعنف. وثمة من يعتبر أن الأميركيين ينتظرون أي خطأ إيراني، لشنّ حملة عسكرية قوية على حلفائها، وقد تشترك فيها إسرائيل أيضاً. وفي هذا الإطار، تم تبليغ إيران عبر الروس بأن أي رد سيقابل بحرب واسعة. وطالب الأميركيون اللبنانيين تحييد حزب الله نفسه، لأن أي خطأ في الحسابات سينعكس على لبنان. وهذا ما أبلغ به كل من رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري.

وفيما لا وضوح في شأن ما بعد الضربة، يعتبر البعض أنها لم تؤثر بشكل يسمح بإعادة تفعيل الحوار السياسي في خصوص سوريا، أو العودة إلى جنيف 1 كما قالت بعض التحليلات. يعتبر البعض أن احتمالات ضربة أخرى ما زالت قائمة. وهي قد تستهدف المواقع الإيرانية في رسالة إلى ضرورة خروج الإيرانيين من سوريا. فيما وجهة النظر الأخرى تستبعد ذلك، وتعتبر أن الضربة هدفت إلى حفظ ماء الوجه، والسماح للأسد بالبقاء في السلطة، واستخدام كل أدوات القتل لديه باستثناء الكيماوي، وبأن واشنطن لا تستهدف وجود إيران في سوريا، ولن تفعل إلا إذا ما أخطأت إيران في الحسابات. الضربة بحجمها الحالي تعني اعترافاً أميركياً بالوجود الإيراني في سوريا، ومنحه شرعية دولية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024