ساحة رياض الصلح: لولا الملثمين

عباس سعد

الأحد 2017/03/19
ملأ آلاف المتظاهرين ساحة رياض الصلح والشارع الممتد حتّى جامع الأمين، الأحد 19 آذار، في تظاهرة دعا إليها أفراد ومجموعات مدنية وأحزاب، رفضاً للضرائب التي أقرها مجلس النواب. هذه الأعداد برهنت أنّ ما بعد حراك 2015 غير ما قبله، إذ بات الناس أكثر تأثراً بجوّ الفساد العام وأكثر تفاعلاً ضدّ كل ما يزيد من مأساتهم اليومية. والأعداد هذه، المعبّرة جداً، كانت ربّما الإيجابية الوحيدة في المظاهرة.


الضياع وعدم الإتفاق على خطاب واضح كان جامعاً بين المتظاهرين. فالجميع كان ضدّ الضرائب، لكن لم يكن واضحاً في الشعارات والهتافات عن أي ضرائب يتحدّث الناس. وكذلك كان الموقف من المصارف هشاً جداً. وغير ذلك، ونظراً لإرتباط سلسلة الرتب والرواتب مباشرة بما يجري، لم يكن الموقف منها موحّداً أيضاً. فمنهم من كان مع السلسلة ومنهم من كان ضدّها، ومنهم من لا يكترث.

يبدو هذا الاختلاف طبيعي في بلد لا يكفّ فيه المواطنون عن تعداد مشاكلهم وأزماتهم، إلّا أنّ الخطاب على الأرض والتنظيم الميداني لم يساعد أيضاً في تخفيف هذه الفجوة، ولم يقدر على تحميس الناس من أجل الهتاف والتظاهر. فالأكيد أن النسبة الأكبر من المتظاهرين ليست على علاقة بحركة الشعب والحزب الشيوعي وحزب الكتائب وحزب سبعة، لكن هذه الأحزاب بأجهزتها الصوتية المتنقلة سيطرت على الساحة. وفي حين كان التنسيق واضحاً من ناحية التمركز وتوحيد الميكروفونات، خصوصاً بين الكتائب وحركة الشعب والشيوعي، إلّا أنّهم ضاعوا وأضاعوا الناس في الهتافات، على أهميتها. فلم يعرف المتظاهرون إذا كانوا "ضدّ المصارف" أو "معارضة"، ولم يُضخّ خطاب ثابت وواضح من الضرائب والسلسلة.


وكانت النتيجة أن جزءاً من الأعداد الكبيرة التي شاركت في المظاهرة كان ثابتاً، فيما هناك جزء آخر متحرّكاً. الثابت الأوّل كان الحزبيين، والثابت الثاني كان المدنيين الناشطين الذين يتظاهرون بشكل دائم. والمتحرّك كان الشريحة الأكبر التي لا تنتمي إلى أحد ولا تتظاهر عادة، لكنها تفاعلت مع المسألة المطروحة هذه المرة. فهولاء كانوا، مع تقدم الوقت، ينسحبون من مركز الساحة أو ينضمون إليه مجدداً، فتحوّل آخر الشارع المؤدّي إلى جامع الأمين إلى حركة في إتجاهين. فالأعداد الأولى الكبيرة حمّست الناس أكثر على النزول للتظاهر، لكن الأجواء داخل المظاهرة لم تدفعهم للبقاء. هكذا، ثبُت أن العدد ليس كل شيء، وإنّما حدّة المظاهرة أساسية أيضاً.

عالم الملثمين
لكن في المظاهرة، كان هناك عالم آخر، مثله الشباب الخمسة أو الستة الملثمين، الذين تمركزوا في الصفوف الأمامية مقابل السراي الحكومي. فبعد نحو ساعة من الاحتشاد، اشتبك هؤلاء وتلاسنوا مع مشاركين من الكتائب، وهذا كان متوقعاً وأرعب بعض الناس. لكن التنسيق الكتائبي مع أصحاب الكوفيات، الذين كانوا كثراً اليوم، ضبط الأجواء من وقت إلى آخر.

وبعد إعلان المجموعات التي مسكت الهواء فضّ التظاهرة، نحو الساعة الثانية والنصف ظهراً، جاءت الحلقة الأخيرة، التي تأبى أي مظاهرة من هذا النوع إلّا أن تنتهي بها. أي التشابك العنفي بين بعض المتظاهرين والقوى الأمنية. فمن تبقّى من المتظاهرين أراد الشغب ورشق المياه والألعاب النارية، لتقابلهم القوى الأمنية بإستفزاز بزيادة عناصرها بشكل مبالغ فيه، والتعدّي عليهم.


ظهور الحريري
لكن هذا المسلسل على عبثيته الواضحة، أضاف نوعاً من الحدّية التي احتاجها التحرّك، قبل أن يحصل الحدث الأبرز: إطلالة رئيس الحكومة سعد الحريري شخصياً أمام المتظاهرين، بخطاب يزعم فيه أن حكومته ستحلّ مشاكل الناس. فما كان ممن بقي من الشباب في المظاهرة، إلا أن ردوا عليه بالصفير ورشقه بعبوات المياه. ما أغضب كثيراً مرافقي الحريري الذين استفزّوا المتظاهرين أكثر فأكثر. ولئن كان التواصل شبه معدوم بين الحريري والمتظاهرين، في وجوده بينهم، فإنه دعاهم بعد دقائق على تويتر أن يشكلوا "لجنة ترفع مطالبهم لمناقشتها بروح ايجابية".

هكذا، بين عدد جيّد وخطاب ضائع وحدّة ناقصة، صنعت أكثر الأحداث عبثيّة اللحظة الأهم في المظاهرة التي انتهت، بدعوة إلى الأربعاء المقبل في الساحة نفسها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024