هذا ما خسره نعمة محفوض

جنى الدهيبي

الثلاثاء 2018/03/13

لعلّ ما يواجهه النقيب السابق لمعلمي المدارس الخاصة في لبنان نعمة محفوض، من اتهامات وانتقادات لاذعة بلغت حدود التجريح، هو أشدّ وأصعب من معاركه النقابية ضدّ أهل السلطة. لم تكن صورة محفوض ضمن مشهدٍ جمع مرشحي تيّار المستقبل، طبيعيةً ومألوفة، خصوصاً في انتقاله من مناضلٍ ومعارضٍ يصرخ في وجه الماسكين بالسلطة، إلى مرشحٍ يسعى إلى الفوز بمقعدٍ نيابيٍ يتبع لكتلة "الخرزة الزرقا".

يتلقى محفوض من الناس أثقل عيارات اللوم والنقد. من بينهم من يحبه ومن يبغضه. البعضُ يسأله عمّا بقي من نقابيّته وصوته المعارض. والبعض الآخر يتهمه بالخيانة و"الوصولية" على حساب من كان يطالب بحقوقهم. يساريون ومعارضون كثر، حجزوا أماكن لهم على لوائح أحزاب السلطة وتيّاراتها. لكنّ محفوض لا يشبه غيره. فهو لم يكن بمثابةِ معارضٍ فحسب، إنّما واحداً من صقور المعارضة ورموزها. وهذا ما جعل مغادرته موقعه ومكانه الطبيعيين، للانتقال إلى لائحة تخشى من "صيبة عين"، وتشكل ركناً أساسياً من أركان السلطة التي قضى سنواته النقابيّة في محاربتها، مرفوضاً وصادماً.

خرج محفوض من بيئةٍ بنى فيها رصيده الشعبي والسياسي والنقابي بمقارعة أهل السلطة بدل مهادنتهم والارتماء في أحضانهم. وهو إن كان يبرر وجوده على لائحة المستقبل بأنّه سيساعد في استعادة السلطة لتكون بين أيدي المواطنين، عبر بقائه صوتاً حرّاً ومعارضاً، لم يلقَ آذاناً صاغيّة تتقبل سماعه، فيما يبدو التبرير أقرب إلى عملية تجميلٍ وترقيعٍ على الطريقة اللبنانيّة.

علامات استفهام كثيرة يطرحها من كانوا إلى جانب محفوض في عمليّة تشكيل لائحة القوى الاعتراضيّة والتغييريّة. ثمّة من يجد في خياره نوعاً من الميكيافيلة السياسية وقبولاً بالمساومة، في سبيل الوصول بأيّ ثمن. لا مجال لتأدية أدوارٍ مزدوجة مع السلطة وضدّها. فمن الصعب على محفوض أن يكون صوتاً معارضاً للسلطة فيما أصبح أسير جوّها، وهو ضمن تيّارٍ سيلتزم بقرارات رئيسه ومواقفه، حيث يكون هامش الاعتراض ضيّقاً ومحدوداً.

الحظّ الأوفر لمحفوض كان المضي في ترشحه على لائحة المعارضة. إلا أن انضمامه إلى اللائحة الزرقاء، خفّض حظوظه إلى حدودها الأدنى، لاسيما أنّ الأصوات المعارضة التي كانت ستذهب لمصلحته لن ينالها مع المستقبل، إلى جانب اللعب على وتر ترشيحه عن المقعد الأرثوذكسي في طرابلس، فيما هو من بلدة رحبة في عكار.

تجربة محفوض، التي بدت في الشكل فرصة للمستقبل الذي سعى إلى كسب رمزٍ نقابيّ بإمكانه رفع الحاصل الانتخابي، تضمر في الواقع نيّة إحباط المعارضين والطامحين إلى التغيير. فهناك ما يشبه الخذلان. إذ يبدو تطويع صوتٍ معارضٍ على لائحة للسلطة، أيّاً تكن اللائحة، يرادفه تطويع المواطنين أيضاً، عبر فرض سياسة "الأمر الواقع"، على حساب المناضلين الحقيقيين المترفعين عن حساباتهم الشخصيّة.

أبعد من محفوض، ينجح أهل السلطة في إبداء قدرتهم على "شراء" الأصوات المعارضة، وكلّاً حسب طلبه. هل تريد أن تكون وزيراً، نائباً، سفيراً أو صاحب منصب؟ لا يهم. لأنّ الأهم، هو أن تنضوي هذه الأصوات تحت جلبابهم، كي تفسح أمامهم مجال اللعب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024