القوات لا تنأى بنفسها عن حب الحريري

منير الربيع

الخميس 2017/12/07
من النوادر أن يجد المراقب وضع القوات اللبنانية بهذا النوع من الصراع الذاتي، أو التناقض. لم يعتد القواتيون ولا اللبنانيون على صورة الضياع تطبع القوات. لكن العهد الجديد، لم يترك شيئاً على حاله، ولا تحالفاً على تحالفه. تعيش القوات حالاً من الثورية والسلطوية في آن. تلوّح في الاستقالة من الحكومة، وحين تشعر بأن مكونات أخرى تنتظر خطوتها هذه، تتراجع تحت شعار "لن نحقق للآخرين رغباتهم في إقصاء القوات". متعبة هي السلطة بالنسبة إلى القوات، المعارضة مريحة اكثر، وتسمح بالتفلت من أي اعتبارات تقوّض الاعتراض. لكن السلطّة حاجة وضرورة، للحضور والثبات والاستمرارية.


يعرف سمير جعجع أن العمل السياسي واستمراريته لا يقتصران على الوجود ضمن التركيبة السلطوية، إذا ما أحسن المرء إدارة حزبه ورص صفوفه على خطاب معارض بنّاء. يختلف وضع القوات عن وضع تيار المستقبل وما بلغه من ترهّل في مرحلة غياب الحريري لسنوات في الخارج. بقيت القوات لسنوات خارج السلطة، لكنها كانت حاضرة شعبياً من خلال معارضتها. اليوم، تعيش القوات صراعها الداخلي، بين الاستمرار في التسوية والبقاء في الحكومة، وبين الخروج والإعداد للانتخابات النيابية.

بعد غياب لسنوات، استطاع جعجع إعادة القوات إلى صلب تسويات اجتراح الحلول، قدّم كثيراً على مذبح المسيحيين، وتنازل لمصلحة انتخاب خصمه اللدود، ميشال عون، رئيساً للجمهورية. لكنه من اللحظة الأولى كان يتعرّض لعملية حصار أو تضييق أو الغاء، من تشكيل الحكومة، إلى التعيينات، وصولاً إلى معارضته الصفقات. فأصبح القواتيون عبئاً على أركان التسوية، وهو ما لا يريدونه، بل تبقى القوات حريصة على عدم الخروج من المشهد، لا سيما أن جعجع يعتبر نفسه أحد أبرز صنّاع العهد، ولولاه لما توفّر انتخاب عون رئيساً للجمهورية.

ليس سهلاً أن تظهر القوات بأنها خسرت رهاناتها في سنة العهد الاولى. ثمة تحالف خماسي قد تشكّل في مواجهتها، يبدأ بالحملات والتسريبات الإعلامية، ولا ينتهي في الممارسة، على طاولة الحكومة، وفي الأروقة السياسية. لا تحسد القوات على وضعها. الخروج من التسوية، وإن كان ستترتب عنه بعض الإيجابيات لمصلحتها، إلا أنه في الشكل العام، سيكون ارتداداً سلبياً عليها. سيعلن الآخرون أنهم نجحوا في عزل القوات، وحصارها، وسيظهر جعجع كمن خسر رهانه، ولم يصب رأيه لدى تبنّي ترشيح عون، والتحشيد له. من يعرف جعجع، ويغوص في تجربته وطريقة تفكيره، يعرف أن هذه تعنيه أكثر من سجنه أحد عشر عاماً. من المستحيل أن يرضى الرجل، بأن يظهر بمظهر المنهزم، أو من سار برهان خاطئ. وهو الذي يتمسك بأفكاره، وإن كلّفته السجن، كي لا يظهر وكأنه خسر أو تراجع. خروج القوات من الحكومة أو من التسوية، يعني خسارة جعجع وعدم صوابية قراره الذي اتخذه في الثامن عشر من كانون الثاني عام 2016. وهذا ما يستحيل على الرجل القبول به.

تكابر القوات في موقفها. يخرج جعجع من البعد التفصيلي للعلاقة مع ركني العهد الأساسيين، أي تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، ويذهب في اتجاه الخطاب الجامع، والمرّكز على حماية الاستقرار، وفق الثوابت التي يؤمن بها. ويذهب أيضاً في اتجاه التمسك بشعار أوعا خيك، والحرص على الشارع المسيحي وعدم انقسامه مجدداً.

خلال جولته الأسترالية، وبعد زيارته السعودية، خرج جعجع ملوّحاً بالاستقالة من الحكومة. ارتكز حينها على جملة معطيات، متوقّعاً أن الجو السعودي والدولي، سيكون مطابقاً لرؤية الحريري. في تلك الفترة، كان أحد وزراء القوات يزور واشنطن، وقد سمع عن لبنان والعهد وحزب الله، أقسى ما أسمعته الرياض للرئيس سعد الحريري. اكتملت المعطيات التي سنحت له إعلان الهجوم على مسار العهد. جاءت استقالة الحريري، دعّمت موقف القوات، التي سبقت رئيس الحكومة بخطوات، فاعتبر جعجع أنه لا يمكن لشخص أن يحترم نفسه البقاء في الحكومة. وبعدها، غاب جعجع عن الإعلام والتصريح. كانت قد وصلته إشارات سلبية من المستقبل. وهناك من اتهمه بالتحريض على الحريري. انكفأ وفضّل الانتظار.

تريّث الحريري، فصفعت القوات. أشار التريث إلى بحث الحريري عن مخرج للتراجع، فاضطّرت القوات إلى الإنعطاف. لا يمكنها الإستمرار بالتصعيد وحيدة. ولا يمكنها أن تعيش بعزلة. نوقش بيان النأي بالنفس، اطلعت عليه القوات بدون إشراكها في صياغته، فسبقته بإعلان إيجابي بشأنه، وبأنه انتصار لكل اللبنانيين.

تجد القوات نفسها بين نارين. تعرف أن التسوية غير متكافئة، والبيان لا يحتوي على جديد. استعجال الإشادة به هو اتخاذ خطوة إيجابية تجاه الحريري. فهي تعتبر أن لا خيار له بقطع العلاقة معها، لا سيما أن الأزمة ستتجدد، والإنقسام سيعود إلى تقليديته، بين 8 و14 آذار، تستشف القوات محاولات لعزلها مجدداً. وهو ما قد يسعى إليه حزب الله لجمع التيار الوطني الحر والمردة، وعزل القوات انتخابياً. تضطر القوات إلى مسايرة الحريري في تسويته، للعودة إلى حضنه وإستعادته إلى حضنها، لمواجهة العزل، ولأن ليس لاحدهما سوى الآخر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024