طرابلس بعد إطلالة الحريري: المستقبليون ضائعون

جنى الدهيبي

الإثنين 2017/11/13

لم تهدأ النقاشات في عاصمة الشمال، منذ اللحظة التي أطل فيها رئيس الحكومة سعد الحريري، مساء الأحد في 12 تشرين الثاني. تضارب الكلام والمواقف من كلام الحريري كان سيّد الموقف. أمّا الاجماع الوحيد، فكان على مبدأ "إطلالة الحريري" للاطمئنان عليه، والاستماع إليه للمرة الأولى، بعد القنبلة التي فجّرها في بيان استقالته، في 4 تشرين الثاني.

تفاوت الانطباعات التي تركها الحريري بعد حديثه، تشبه إلى حدٍّ كبير طبيعة الانقسامات السياسيّة- السنيّة في طرابلس. ومثلما جرت العادة، لم يفوّت الشارع الطرابلسي فرصة ترسيخ الفجوة بين مكوّناته السياسيّة، التي تعيد في كلّ مرّة تكوين خلافاتها واختلافاتها عبر المواقف الشعبيّة.

على المستوى الشكلي، ثمّة شبه اجماعٍ أنّ الحريري لم يكن مرتاحاً. الحزن والغصّة بديا واضحين رغم محاولات التماسك، التي خرقها بدمعة عند حديثه عن حبّه للبنان واللبنانيين. البعضُ قرأ في صورة الحريري، ومن بينهم أنصار تيّار المستقبل، صدقاً وشفافيّةً يفتقدها خصومه. والبعض الآخر، قرأ فيها انعكاساً للضغوط السعوديّة التي يرزح تحت رحمتها، من دون أن يخلو الأمر من قراءةٍ جسديّة لتعابير الحريري والتفاصيل المكانيّة التي تحيط به، لدرجة التشكيك بأن يكون في منزله فعلاً.

سياسيّاً، يتوقع المستقبليون عودة الحريري إلى الحياة السياسية بشكل أقوى من أيّ وقتٍ آخر. فـ"هو رجل الدولة والتسويات". لكن، أنصار اللواء أشرف ريفي أبدوا استياءً واضحاً من كلام الحريري، واعتبروه "دون المتوقع"، رغم أنّ ريفي غرّد قبل المقابلة قائلاً: "حسناً فعلتَ واستقلت، وبيان الاستقالة يمثّل سعد الحريري الأصيل وسأكون إلى جانبك كتفاً إلى كتف". فالريفيون كانوا ينتظرون استكمالاً للتصعيد الخطابي تجاه حزب الله، حيث يتماشى مع مضمون بيان استقالته. كما أخذوا عليه تخفيض سقف المواجهة والإشادة برئيس الجمهورية ميشال عون وعدم توجيه أيّ نقدٍ لوزير الخارجيّة جبران باسيل.

يرى خصوم المستقبل في طرابلس أنّ اطلالة الحريري جاءت في سياق التراجع عن الاستقالة ومضمونها. فهو، وفق كثيرين، سعى إلى التبرير والعدول عن لهجة الاستقالة العنيفة واستبدل مفردات "بتر أيادي" حزب الله الذي يزرع الدمار والخراب الإقليمي، بابتكار مفهوم "الصدمة الإيجابيّة" والعودة إلى الحوار مع حزب الله ومختلف الأطراف السياسية، حول السلاح وآلية تصحيح أسس التسويّة والإكمال بها شرط النأي بالنفس.

شعار "النأي بالنفس"، الذي كرره الحريري أكثر من مرة في إطلالته، من أجل الحفاظ على المكونات اللبنانيّة المؤتمن عليها، الذي اعترف أن الفضل فيه يعود إلى رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، كان موضع امتيازٍ وتفوّق استند إليه العزميون في مواقفهم. فأوساط تيّار العزم، تردد أنّ الحريري اعترف ضمنيّاً بحكمة ميقاتي عندما كان رئيساً للحكومة، وأصرّ على اعتماد هذه السياسية في بناء العلاقات مع الدول العربية، لاسيما أنّ هذا الشعار، وضعه الحريري كشرطٍ غير مباشر للعودة عن استقالته. وهو، وفق فريق العزم، كان يعتبره ميقاتي شرطاً أساسياً للحفاظ على وحدة الطائفة السنيّة وعدم التفريط بحقوقها أو تقديم أي تنازل على حسابها. ومن هنا كانت دعوة ميقاتي السابقة: "كفى يا سعد".

هذه الأجواء، أفرزت نوعاً من ضبابيّة في النظر إلى المرحلة المقبلة. الكلّ في طرابلس يترقب عودة الحريري. ورغم أنّ حديثه أنتج ارتياحاً في طرابلس لجهة خفض منسوب التوتر وإزالة شائعات التحريض والفتنة الأهليّة، هناك من يسأل عن سبب التراجع السعودي الذي انعكس في كلام الحريري، وإذا كانت شروط إكمال التسوية قابلة للتطبيق لبنانياً، في الوقت الذي يدرك فيه الجميع، استحالة خروج حزب الله من المعارك الإقليمية، وتحديداً من اليمن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024