فضيحة "شراء" دخول المدرسة الحربية: لماذا الآن؟

المدن - لبنان

الجمعة 2017/08/11

ليس ما يثار في شأن فضائح أو شوائب تطال بعض الضباط في الجيش اللبناني أو المدرسة الحربية، مسألة منفصلة عن جملة تطورات سياسية أو غير سياسية. لا شك في أن الجيش في أي بلد كان، سيكون على شاكلة البلد، وفي الحالة اللبنانية، تعتري الجيش بعض الشبهات التحاصصية في آلية قبول الضباط، وحتى في آلية توزيع المراكز والمناصب. وهذه كلّها ثابتة. لكن السؤال الأساس الذي يُطرح هو عن سبب توقيت فتح هذه الملفات، وما المراد منها.

منذ سنوات، ولدى الإعلان عن فتح أي دورة لدخول تلامذة ضباط إلى المدرسة الحربية، تبدأ الاتصالات والتسويات للبحث عن وسيط يوفر دخول التلميذ، سواء أكان ذلك لقاء بدل مالي أم لقاء خدمات أم بحكم صلة القربى. وهذا أيضاً معروف لدى الجميع. والفضيحة التي تتكشّف الآن هي إحدى تجليات ذلك، لكنها فاقعة أكثر هذه المرّة، لكونها تطال تلامذة السنة الثانية في المدرسة الحربية، في العام 2016، إذ لم يتم فتح المجال أمام إلتحاق تلامذة ضباط إلى المدرسة الحربية. بالتالي، يجب ألا يكون هناك طلاب في السنة الثانية. لكن اللافت أن نحو 40 ضابطاً رسبوا ولم يصلوا إلى السنة الثالثة، هم الذين أصبحوا طلاب السنة الثانية.

رسوب هؤلاء بدأ بإثارة تساؤلاتعن أسباب الرسوب وكيف حصل، علماً أنه في السابق كانت حالات الرسوب تحصل، ولكن ليس بهذا الحجم، فيما هؤلاء الراسبون هم الذين تحدّثوا عن استغرابهم رسوبهم، علماً أن ذويهم قد دفعوا مبالغ طائلة لقاء ضمان نجاحهم. وهنا، يحصل الخلاف، إذ إن من يتلقى الأموال يعتبر أن "ثمن" المبلغ الذي تلقاه هو إدخال التلميذ إلى السنة الأولى، والباقي على التلميذ الشاطر. فيما الأهل يعتبرون أن المبلغ يجب أن يكون كفيلاً بضمان نجاحه في السنوات الثلاث.

تحوّل الجيش في الثقافة المجتمعية اللبنانية، إلى شركة مساهمة، أو إلى وظيفة مضمونة يستطيع الضابط فيها توفير راتب محترم وتأمين "آخرته" من خلال الراتب التقاعدي الذي سيحصل عليه، بالإضافة إلى التعويض الذي يتلقاه إذا ما وصل الضابط إلى رتبة عميد، ويوزاي المليار ليرة.. هذه التحفيزات هيما يدفع الأهل إلى تشجيع أبنائهم على دخول السلك العسكري.

مع رسوب هؤلاء الطلاب، وحديثهم عن أنهم دفعوا أموالاً ليصبحوا ضباطاً، ثمة من فتح الملفات وبدأ التحقيق داخل المؤسسة العسكرية، خصوصاً بعد وصول القائد الجديد جوزيف عون إلى رأس المؤسسة العسكرية. لكن، ما لا شك فيه هو أن كلام التلامذة، قد بدأ بالتداول منذ الأسابيع الأولى للسنة الدراسية في الحربية، وهو ليس حديثاً. فيما يبقى السؤال عن الهدف من توقيته.

قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التطرق إلى جملة تحقيقات بملفات فساد قد فتحت في المؤسسة العسكرية ككل، خصوصاً بعد تنامي الحديث عن أن ضباط الصف الأول السابقين، قد خرجوا ومعهم ثروات هائلة، من أموال وسيارات وعقارات. وعلمت "المدن" أن هذه التحقيقات تطال رؤساً كبيرة من الضباط السابقين الذين أُحيلوا على التقاعد. وهذه التحقيقات يتولى الإشراف عليها القائد الجديد للجيش، ووزير الدفاع يعقوب الصراف.

بدأ الحديث عن الفساد، لدى اتهام مدير المخابرات السابق إدمون فاضل، بخروجه من السلك العسكري بحالة ثراء فاحش. ومنذ تسلّم العماد جوزيف عون قيادة الجيش، ثمة معلومات تشير إلى أنه وجد فوائض مالية كبيرة جداً، كانت متوافرة وهي بتصرّف القيادة. وهناك توجه لدى عون، في أن تصرف هذه الفوائض على تقديم مزيد من التحفيزات للضباط، بدلاً من تركها بتصرّف القيادة.

لا تقتصر التحقيقات المفتوحة على دفع الأموال لدخول المدرسة الحربية، إنما فتحت ملفات ضباط سابقين كبار، وقد جرى إبلاغهم بذلك. وتلفت المصادر إلى أنه إذا ما استمرّت التحقيقات إلى النهاية، فهذا يعني أن ملفّات أعداد كبيرة من الضباط ستُفتح. وهذا يحتاج إلى وقت كبير، وسينطوي على فضائح أكبر بكثير من مسألة المدرسة الحربية. فيما بدا التحقيق مع بعض المتهمين الذين أصبحوا خارج السلك العسكري، من قبل القضاء العسكري في مسألة المدرسة الحربية فقط، أما التحقيقات المتبقية فجارية، لكن ليس محسوماً بعد إن كانت ستصل إلى النهاية.

وتركز هذه التحقيقات، التي لا تزال داخل جدران وزارة الدفاع وقيادة الجيش، على تحرّي الثراء الفاحش لعدد من الضباط، الذين أحيلوا إلى التقاعد، وبحوزتهم ملايين أو عشرات الملايين من الدولارات. وبعضهم كان متورطاً بفضيحة الانترنت غير الشرعي، أو بعضهم يمتلك منتجعات سياحية على الشاطئ.

لا شك في أن هذه الفضيحة، والتحقيقات إذا ما استكملت، ستؤثر سلباً على معنويات الجيش. لذلك، هناك من يحرص على متابعة التحقيق لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ومن دون إحداث جلبة إعلامية، كي لا يؤثر ذلك على الجيش ومعنويات ضباطه. وهنا، يقول أحد المعنيين آسفاً، أن بعض الضباط يتخذون من الجيش أو من مناصبهم مطيات لتحقيق مكاسب شخصية، وهم يستغلون المواقع لفتح علاقات مع المتمولين ورجال الأعمال، أو حتى المخالفين، وتوفير الحماية لهم مقابل مبالغ مالية. وتؤكد المصادر أن هذا لا يمكن أن يستمر في ظل القيادة الجديدة، إذ إن العماد عون مصمم على مكافحة هذه الشوائب.

وبالعودة إلى السؤال الأساسي عن سبب تسريب هذه الفضيحة والتحقيقات الجارية، تجيب مصادر متابعة أن هناك محاولات عديدة لأجل إضعاف الجيش ومعنوياته. وإثارة فضيحة المدرسة الحربية، قد تكون رداً على الاعتراضات التي سُجّلت على زيارة ضباط منها إلى مليتا. فيما البعض الآخر يعتبر أن توقيت إثارة الفضيحة مع الحديث عن وجوب التنسيق مع الجيش السوري، وفي ظل نفي الجيش اللبناني أي تنسيق، وفي ظل معلومات تفيد بأن الجيش يرفض التنسيق مع أي طرف. ازاء ذلك، هناك من يعتبر أهدف الفضائح هو توجيه رسالة إلى الجيش، فحواها وجوب التنسيق مع الجيش السوري، كي لا تتوالى الفضائح.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024