ماذا يجري في كتلة المستقبل؟

منير الربيع

الثلاثاء 2017/11/14
صوب الرئيس سعد الحريري البوصلة نحو الوجهة السياسية المقبلة. وضع سقفاً واضحاً للمرحلة المقبلة، إما الاستمرار بالاستقالة إلى حين تحقيق بعض الشروط السياسية، أو العودة عنها إذا ما تحققت هذه الشروط. عاد الحريري في شروطه إلى منطق العام 2011، أي مرحلة النأي بالنفس، ومرحلة ما قبل عاصفة الحزم في اليمن، التي أكد خلال إطلالته أن مشاركة حزب الله فيها، هي التي استدعت مواقف سعودية تصعيدية ضد الحزب وسلاحه. الشرط واضح، وهو أن اليمن في المفصل الأساس في التعاطي السياسي للمرحلة المقبلة. وهو شرط رفعه الحريري بوجه حزب الله، لإعادة إنتاج التسوية. لا شك أن لسوريا حصّة من ذلك أيضاً، ولكن الهم الأساس هو اليمن، إذ إن الحرب في سوريا تشارف على النهاية، كما اعتبر السيد حسن نصرالله.

إذن، التسوية قائمة بالنسبة إلى الحريري، لكنها تحتاج إلى شروط لتستمر. من هذه الشروط، إعادة ربط النزاع مع حزب الله، وقف التطبيع مع النظام السوري، الإنسحاب من سوريا واليمن، وتصويب السياسة الخارجية للبنان كي لا تكون في مواجهة مع الدول العربية. كلام الحريري، لقي ترحيباً من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري. فيما تستمر المساعي الدبلوماسية اللبنانية مع الخارج لتوضيح ملابسات الاستقالة، وسحب فتيل التصعيد والتوتر. وهذا ما سيسعى إليه الوزير جبران باسيل في جولة خارجية يبدأها من فرنسا.

في مقابل موقف الحريري، كانت كتلة المستقبل قد عملت على تصحيح موقفها من بيان اجتماع الخميس الملتبس. وفي الموقف الجديد للكتلة، كان تصويب المسار السياسي وتأييد موقف الحريري، على قاعدة ربط النزاع مع حزب الله، التزامه بالشروط اللبنانية لتجنيب لبنان أي إجراءات عقابية خارجية، أو أي تصعيد سياسي بحقه. لدى المستقبل فريقان، فريق يعتبر أن عنصر التسوية هو الذي انتصر، وأن الضغط الدولي والاداء السياسي للبنان أسهم في خفض التوتر، وإعادة الحريري إلى الهدوء، ووقف التصعيد، فيما القسم الآخر يعتبر أن لا تنازل عن التصعيد إلا بتحقيق شروط معينة، أبرزها انسحاب حزب الله من دول المنطقة والعودة إلى لبنان.

هذا المسار الذي سارت إليه كتلة المستقبل وصححت من خلاله موقف بيان الخميس الذي فُهم على أنه تصويب على السعودية، حصل بناء على إشارات تلقتها بما سيكون عليه موقف الحريري. وتشير مصادر متابعة إلى تلقّى المستقبليون المقربون من الحريري، والذين يتمسكون بالتسوية وبعدم المواجهة مع حزب الله، اتصالات غاضبة على تصرفاتهم. ما ادى إلى عقد جلسة استثنائية، ليصدر عنها بيان يناقض مضمون بيان الخميس، ويلقي بمسؤولية استقالة الحريري على إيران وحزب الله. وقد دان بيان الكتلة التدخل الإيراني في شؤون لبنان والمنطقة، كما جددت وقوفها خلف الحريري في قراراته، ودانت كل الحملات التي تتعرض لها السعودية.

يعني ذلك أن التدخلات أفضت إلى لجم المستقبليين عن اعتماد سياسة تلائم ما يريده التسوويون، الذين كانوا يرفضون مواجهة حزب الله. وعملت التدخلات على إعادة رص صفوف كتلة المستقبل، وإبراز صوت واحد يمثّل الكتلة، ينطلق من موقف الحريري، لارساء التوازن السياسي في لبنان، وتحسين الشروط. أما في حال عدم تحقيق ذلك، فيعتبر بعض المستقبليين أن التصعيد سيستمر.

وتقول مصادر متابعة، إنه تم تطويق الصوت الآخر داخل تيار المستقبل والكتلة، بمعنى أنه جرى تطويق من كانوا يضغطون لبقاء موقف المستقبل متماهياً مع موقف رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله، والذي ارتكز عليه عون والحزب لإعلان المواجهة مع السعودية، وإثارة الشارع السني ضد السعودية، على اعتبار أنها تحتجز الحريري، إذ نجح حزب الله في التأثير بالمستقبليين والشارع السنّي. ما منحه هامشاً واسعاً في إدارة الازمة وفق ما يريده. ما تسبب بارتباك مستقبلي، استدعى غضباً سعودياً.

حتى الآن، لا يزال معظم المستقبليين في حال ضياع بشأن ما حصل. أسئلة كثيرة تجول في رؤوسهم، تبدأ من تصعيد الحريري في بيان الاستقالة، مقابل تهدئته في اطلالته التلفزيونية. وهم يسألون ما الذي تغيّر، وهل إن السعودية تراجعت عن تصعيدها؟ ماذا لو تراجع الحريري عن استقالته؟ وما الذي يكون قد تحقق؟

لا أجوبة حتى الآن، يفضّل المستقبلوين انتظار الأيام المقبلة، لتبيان مزيد من التفاصيل والخبايا، لعلّ الصورة تتضح لديهم. لكن الأكيد بالنسبة إليهم هو أن مرحلة الأشهر الماضية ذهبت إلى غير رجعة. والمرحلة المقبلة، إما تحمل تنازلات من جانب حزب الله لمصلحة إبقاء التسوية، أو عدم التزامه واستمراره في الاستثمار بالوقت لتغيير بعض المعادلات أو الموازين الخارجية. وهذا ما قد يستدعي مزيداً من التصعيد. قد يكون الجواب بالنسبة إليهم، في الاجتماع الاستثنائي الذي سيعقده وزراء الخارجية العرب يوم الأحد المقبل، ومعه قد ترتسم ملامح المرحلة المقبلة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024