لا لفرض الضرائب، وحد الطيف اللبناني

وليد حسين

الإثنين 2017/03/20

لم يكن مشهد الحراك الشعبي في وسط العاصمة عادياً. فبعد أكثر من عام ونصف العام على "الحراك الشعبي" على خلفية أزمة النفايات، عاد المواطنون أفراداً وجماعات "لاحتلال" ساحة رياض الصلح في تظاهرة حاشدة اختلف مضمونها المدني عن بقية التظاهرات. إذ بدا واضحاً أن الحضور المدني كان طاغياً على الحضور الحزبي التقليدي. هي صورة جديدة، ربما تكون في طور التشكّل، لتعيد الثقة بحضور المواطن في ميدان العمل السياسي بعد تهميش طاوله لعقود. هي لحظة البداية. بداية نزول المواطن إلى الشارع للمطالبة بقضايا اقتصادية تمسّه بشكل مباشر.

ورغم تنصّل القوى السياسية تباعاً من مسألة فرض الضرائب وكل التوضيحات التي قدمتها، لم تتراجع الناس عن النزول إلى الشارع بشكل عفوي ومنظم على السواء. الأمر الذي ظهّر نقمة الناس على تكاذب أهل السلطة أقوى من نقمتها على أداء أوصل البلد إلى ما وصل إليه اليوم.

سياسياً، بدا واضحاً خوف أهل السلطة من انفجار الشارع في وجهها. لذا، ذهبت إلى أسلوب التطمينات والتنصّل من طبخة الضرائب التي عملوا عليها مجتمعين. عمل زعماء أحزاب السلطة على محاولة التخفيف من النقمة المقبلة، وذلك عبر إغداق الوعود بتقديم اقتراحات بديلة لحل معضلة رفع الضرائب، كما فعل السيّد حسن نصرالله أو حتى سمير جعجع. وأتى كلام الرئيس نبيه بري عن محاسبة الذين يريدون النيل من هيبة المجلس النيابي كنوع من تهديد للناس بهدف تقليص حجم المشاركة في الاعتراض من ناحية، وللغمز من قناة "المشاغبين" داخل المجلس بأنه سيعيد "النظام" إليه من ناحية ثانية. حجر بري الذي أراد أن يصيب من خلاله عصفورين فشل في إصابة عصفور الناس الذي غرّد في الساحة المقابلة لساحة النجمة، لكن يبقى أن ننتظر إذا ما كان عصفور "الكتائب" سيبقى يغرّد داخل المجلس يوم الأربعاء المقبل.

في أي حال، لم تنفع الخطوات الاستباقية "التنصّلية" لأهل السلطة في تلافي حراك شعبي بدأ يتشكّل من جديد. هي خطوات غير موفقة حتى الساعة، أضيفت إلى خطوة رئيس الحكومة سعد الحريري غير المحسوبة في النزول للوقوف على مطالب "الشباب". فالرئيس الحريري الشاب ربما أراد مخاطبة المتظاهرين من موقع أنه يتفهم هواجسهم كشباب منتفض. طبعاً، تسجّل له كرئيس حكومة هذه الخطوة الإمتصاصية، لكنها غير كافية لتخفيفّ نقمة الناس على الطبقة السياسية.

على مقلب الصورة الجديدة التي باتت تتشكّل، والتي لم تكتمل معالمها، هناك حراك مدني لم يندثر بعد رغم كل التجييش لساحات الطوائف المتقابلة في السنوات العشر الماضية. مشهد الحراك المدني الذي احتلّ مقدمة الصورة لم تكتمل معالمه لولا الجهود المبذولة من قبل الأحزاب التقليدية في تقليص حضورها الشعاراتي. فالحضور الكبير للشيوعيين بدا واضحاً في خلفية الصورة، أي في نبرة الهتافات "الثورية" التي كشفت ما أخفاه عدم حضور الرايات. وقد سرى هذا الأمر على منظمة العمل الشيوعي والقوميين والبعث، وغيرها من التنظيمات الرديفة والبديلة. الطارئ الحديث على هذا المشهد كان حزب الكتائب الذي حضر لكن ليس بالكثافة المتوقعة. أما الوطنيون الأحرار ومستقلو 14 آذار فكدنا لا نعلم بوجودهم لولا بيانات إعلان سحب مناصريهم من الشارع بعد نشوب بعض حالات الشغب.

"كلمة السر" التي أعادت الحراك إلى الشارع هي "لا للضرائب". كان هذا الشعار كفيلاً بتوحيد الطيف اللبناني الحزبي والمدني للانتفاض ضد محاولات التهميش على مدى السنوات الفائتة. بالتالي، قال الشارع ما هو مكبوت منذ سنوات في ضمير "المواطن" مخاطباً أهل السلطة: عندما تطال سياساتكم لقمة العيش عليكم سماع رأينا في كيفية رسم السياسات الضريبية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024