"مكافحة التطرف" في حلتها الجديدة

حسين عبد الحسين

السبت 2014/09/27

في كانون الأول 1998، وقفت وزيرة الصحة الأميركية آنذاك دونا شلالا في الجامعة الأميركية في بيروت تتحدث عن الحملة التي كانت تقودها بلادها، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، لمكافحة التدخين حول العالم. "في الولايات المتحدة، لن نلجأ الى سن قوانين جديدة او فرض عقوبات، فهذه لا تكفي، بل نحن نعمل على تغيير ثقافة التدخين عبر المجتمع المدني وهوليود حتى يصبح التدخين مرفوضا مجتمعيا"، قالت الوزيرة الأميركية السابقة من أصل لبناني.

بالطريقة نفسها، سعت الولايات المتحدة منذ العام 2001 الى "مكافحة التطرف"، ونبذه، وجعله مرفوضاً اجتماعياً داخل أميركا وأوروبا، أولاً، وحول العالم ثانياً، وهذا ما تطلّب جهداً من المنظمات الأهلية يوازي الإجراءات الأمنية والقوانين التي شرعتها الحكومات الأميركية والأوروبية ومنظمة الأمم المتحدة.


وأثناء حكم الرئيس السابق جورج بوش، ولدت مجموعات غير حكومية كثيرة، واحدة للإسلام المعتدل وأخرى لحوارات الأديان وثالثة للتسامح وغيرها، لكن معظم تلك التنظيمات كانت تسعى الى الربح السريع عبر اقتناص المخصصات الحكومية لمشاريع من هذا النوع. وانتشر الفساد الأميركي، وشبيهه الأوروبي، حول العالم، ودبّ في المجتمع المدني في الدول العربية، فتحول الأخير في معظمه الى بؤرة فساد ما بعده فساد.


هذه المرة، يحاول المجتمع المدني الغربي مجدداً مؤازرة مجهود حكوماته في التغلب على التطرف. لكن هذه المرة، على عكس الماضية. تكاد تكون الأموال الحكومية المرصودة لهذه الجمعيات شحيحة أو معدومة، ما يجعل الناشطين أكثر صدقاً واعتماداً على القطاع الخاص، الذي يصعب التلاعب بأمواله، كمصدر تمويل.


وفي هذا السياق، أعلنت مجموعة من العاملين السابقين في الإدارة الأميركية، تصدرتهم مستشارة بوش للأمن الوطني، فرانسيس تاونسند، والسفير المتقاعد، مارك والاس، إقامة مجموعة أطلقوا عليها اسم "مشروع مكافحة التطرف" تهدف الى "كشف واضعاف وإيقاف منابع تمويل المنظمات المتطرفة"، وانشاء قاعدة بيانات تحصي أسماء المتطرفين وتحدد شبكاتهم، ومواجهة المتطرفين في شبكة التواصل الاجتماعي.


وكمقدمة للإعلان عن نفسها، أجرت مجموعة "مشروع مكافحة التطرف" إحصاء للرأي العام الأميركي أظهر ان نسبة الأميركيين ممن يعتبرون "التطرف الإسلامي" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" كأكبر خطر على الأمن القومي الأميركي قفزت من 41 في المئة في حزيران الى 56 في المئة الآن، وان هذا الخطر يتصدر المخاطر عند الجمهوريين والمستقلين، ويحل ثانياً لدى الديموقراطيين.


وأظهر الاستطلاع ان 82 في المئة من الاميركيين يعتقدون ان داعش هي خطر مباشر على الولايات المتحدة، فيما حلّت "طالبان" في المركز الثاني بنسبة 79 في المئة وحصلت "حماس" على 55 في المئة و"بوكوحرام" على 35 في المئة.


في هذه الاثناء، ارتفعت نسبة الاميركيين ممن يرون العراق خطراً على أميركا من 70 في المئة في أيار 2014 إلى 76 في المئة حالياً، فيما ارتفعت سوريا من 65 في المئة في أيار 2014 إلى 72 في المئة في الاستطلاع الأخير.


وفي وقت جدد الاستطلاع الاعتقاد السائد بأن أولويات الاميركيين والأوروبيين مازالت تتمحور حول شؤون بلدانهم الداخلية، الا انه أظهر زيادة في الاهتمام الأميركي بشؤون السياسة الخارجية من 3 الى 8 في المئة، يقابله ازديادٌ أوروبي من 1 الى 6 في المئة.


عن العمل العسكري ضد "الدولة الإسلامية"، أظهر إحصاء الرأي أن 67 في المئة من الاميركيين يؤيدون الحملة الحالية، فيما يعارضها 22 في المئة، وان "80 في المئة من قادة الرأي يؤيدون القيام بالمزيد عسكرياً، فيما يعارض 13 في المئة منهم ذلك". حزبياً، يتوزع الاميركيون من مؤيدي العمل العسكري ضد "الدولة الإسلامية" إلى 78 في المئة من الجمهوريين، و66 في المئة من المستقلين، و60 في المئة من الديموقراطيين.


في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، استعار الرئيس باراك أوباما الكثير من كلمات سلفه بوش، وحاول التمييز في الحرب الأميركية فقال انها ضد الإرهاب وليست ضد الإسلام. وكما بوش، صور أوباما خطر التطرف الإسلامي على انه لا يطال أميركا وحدها، بل العالم بأسره، داعياً الدول للانضمام الى الحرب الجديدة ضده.


والحرب الأميركية الجديدة ضد التطرف تشبه سابقتها الى حد كبير، ولكن بدلاً من أن تخوضها أميركا منفردة، فهي تقود تحالفاً دولياً واسعاً هذه المرة، وبدلاً من أن ترسل جنودها الى المعركة، تحصر واشنطن عملها العسكري بطلعات جوية وتستعين بقوات أرضية محلية، وبدلاً من أن تصل فاتورة الحرب الى 17 مليون دولار في الساعة كما في حربي العراق وافغانستان، فهي تبلغ 8 ملايين في اليوم في هذه الحرب.


وفي غير الحكومة، كما في الحكومة، مجهود ذاتي واحصاءات رأي بدلاً من الاستناد الى الأموال الحكومية والتهويل على الرأي العام.


حرب أميركا على التطرف عادت، ولكن لا شك انها عادت هذه المرة بحلة جديدة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024