هل يتكرر سيناريو حلب في الغوطة الشرقية؟

عمر بهاء الدين

الثلاثاء 2017/02/07
أصدرت قيادة الشرطة التابعة للمعارضة في غوطة دمشق الشرقية، تعميماً لإخلاء الأسواق ومنع التجول، بعد التصعيد غير المسبوق، منذ شهور، ضد المدنيين والجبهات، من قبل النظام، بعد شنّه أكثر من عشر غارات على مدينة عربين، الثلاثاء، فيما أمطر بالقصف الثقيل سوقاً في مركز مدينة دوما، وكذلك في حي جوبر، ما أدى إلى مقتل خمسة مدنيين، وإصابة العشرات.

وطالت عشرات الغارات جبهات الغوطة، بعدما بدأت قوات النظام هجوماً من أربعة محاور على جبهات الغوطة؛ من المحور الشرقي عند بلدة حزرما، والمحورين الشماليين عند بلدة حوش نصري ومدينة دوما، والمحور الغربي عند مدينة عربين. وفي حين لم يستطع النظام تحقيق أي تقدم في هذه الجبهات، قام بقصف غاز الكلور المحرم دولياً على جبهة مدينة عربين، بحسب ما أفاد الناشط جواد العربيني، فيما سقطت قذيفة أمام المبنى الإداري لكلية الحقوق في مدينة دمشق.

وجاء هذا التصعيد إثر انتهاء مهلة قام النظام بالإعلان عنها للراغبين بالخروج من الغوطة وتسوية أوضاعهم، عبر معابر كان قد أعلن أنه سيقوم بفتحها. لكن، باستثناء معبر مخيم الوافدين المغلق منذ العام 2013 للمدنيين، لم يكن للمعبرين الآخرين المُعلن عنهما وجود على الأرض. كما أن وسائل الإعلام الرسمية أشارت إلى سقوط عشرات القذائف من مناطق المعارضة على مخيم الوافدين وضاحية الأسد.

وفي حين لم تسجل أي حالة توجه للمعبر من قبل مدنيين أو مقاتلين بحسب نشطاء في مدينة دوما، قامت شخصيات عسكرية وأهلية من النظام بالاجتماع مع عدد من النازحين إلى مدينة دمشق من أهالي القطاع الجنوبي في الغوطة الشرقية، والذي سيطر عليه النظام منذ ثمانية أشهر، بغرض إقناعهم بالعودة إلى بيوتهم. وقد سبق هذا الاجتماع، اجتماعات أخرى مع شخصيات مؤيدة للنظام من أهالي الغوطة الذين يسكنون مدينة دمشق، معلنين سوية رؤيتهم لـ"التسوية" التي يرغبون بها في الغوطة.

وقد بدت الأمور خلال الأيام العشرة الماضية، المخصصة للمهلة التي كان قد أعلنها النظام، تتركز حول الحرب النفسية، رغم عدم توقف المعارك. فمع اجتماعات النظام مع مواليه، وما كان يعلنه ويهدده، كان كل من "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" يستعرضان جانباً من تدريباتهما العسكرية وإنجازاتهما العسكرية على جبهات الغوطة التي لم يتوقف القتال فيها. "الجيش" و"الفيلق" أكدا على تنسيقهما ووقوفهما صفاً واحداً، بعد اقتتال دامٍ دار بينهما منذ ثمانية أشهر.

وأصدر "جيش الإسلام" تقريراً مصوراً حول إنجازاته، وظهر نائب قائد أركانه على قناة "الجزيرة" متحدثاً عنها. وقام نشطاء معارضون بجمع آراء الناس حول ما يطرحه النظام، ونشر صور المقاتلين والدبابات التي دمرها المقاتلون في أيام المهلة العشرة، والتي وصل عددها إلى 6 دبابات. كما نشرت "تنسيقية مدينة دوما" بياناً نفت فيه كل ادعاءات النظام حول اقتراب حدوث "تسوية" في الغوطة، وقالت أن "الغرض من ذلك هو إحداث انقسام ضمن الغوطة وجسّ نبض بغير محله، ومحاولة لإضعاف معنويات أهالي الغوطة المدنيين والعسكريين".

وقد توقفت قوات النظام عن محاولة التقدم من جبهة حزرما المحاذية لبلدة النشابية مركز منطقة المرج شرقي الغوطة لأيام بعد أن باءت كل محاولاتها السابقة للتقدم فيها خلال الأشهر الماضية بالفشل. واكتفت قوات النظام بقصف تلك المناطق، قبل أن تعيد المحاولة صباح الثلاثاء.

ورغم التخوف من تكرار سيناريو حلب ووادي بردى في الغوطة إثر هذا التصعيد غير المسبوق بالقصف المدفعي والطيران والهجوم البري، إلا أنّ اعتياد مقاتلي الغوطة وأهلها على المعارك المستمرة لم يسبّب داخلياً أي تغيّر في الجو العام. فجبهات الغوطة ما زالت تعيش حالة الكر والفر منذ شهور طويلة، ولم تشهد سقوط أي بلدة أو منطقة سوى خلال فترة الاقتتال بين "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" التي انتهت منذ شهور ثمانية. كما أن عدد المقاتلين الكبير، الذي يقدر بحوالي عشرين ألفاً على الجبهات، وعشرين ألفاً في الاحتياط، إضافة إلى مستودعات السلاح والكوادر الهندسية والطبية ومعامل التصنيع العسكري، وكمية الصواريخ والقذائف، التي كان زعيم "جيش الإسلام" زهران علوش، قد قال عنها قبل اغتياله إنها كافية لتدمير دمشق مرتين، تجعل شبح سقوط الغوطة بعيداً.

الكثير من النشطاء والمتظاهرين يحتجون على عدم استغلال كل تلك القوى العسكرية لبدء المعارضة معركة دمشق. لكن "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" اللذين يمتلكان معظم قوة الغوطة العسكرية، يريان في بدء الهجوم باتجاه دمشق أمراً ما زال من المبكر الحديث عنه، في ظل ما يتوقعونه من شراسة المعركة وضخامتها، ونقلها للأوضاع العامة لصالح الثورة كلياً في حال نجاحها، أو حسم مصير سوريا كاملاً لصالح قوات النظام في حال فشلها.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024