"مجلس قيادة الثورة"السورية.. كبديل لمشاريع الاندماج

عقيل حسين

الأربعاء 2016/12/28
على الرغم من إعلان ثلاثة من فصائل الشمال السوري، اندماجها تحت اسم "جبهة أهل الشام"، إلا أن التجاذبات حول قضية الإندماج الشامل بين الفصائل العسكرية تواصلت خلال هذا الاسبوع، مع استمرار حالة المراوحة عملياً في ظل تمسك مختلف الأطراف بطروحاتها، ليكون الجدل الإعلامي بمفرده هو بطل الأيام الأخيرة على هذا الصعيد.

وكما كان متوقعاً، لم يتمكن أي من مشروعي الإندماج اللذين أعلن إطلاقهما الأسبوع الماضي من تحقيق تقدم يذكر، فيما بدا أن المشروعين متوقفان على موقف "حركة أحرار الشام الإسلامية" التي ماتزال تعيش بدورها انقساماً واضحاً لم تتمكن بعد من تجاوزه، الأمر الذي أدى بدوره إلى أن تكون الحركة أيضاً، الموضوع الرئيس للجدل الإعلامي في ما يتعلق بقضية الإندماج.

وبينما كان مفهوماً، أو متوقعاً على الأقل، أن تتجدد الاتهامات من خارج الحركة للتيارين المتنافسين داخلها، بالمسؤولية عن عرقلة كل تيار لهذا المشروع أو ذاك، حسب ميل أصحاب الاتهامات، فقد شكلت عودة التجاذبات بين مسؤولين في الحركة إلى الوسط الإعلامي، التطور الأبرز بعد ثلاثة أسابيع من التهدئة الداخلية، عقب عودة أعضاء "مجلس الشورى" الثمانية عن قرارهم تعليق العمل في المجلس.

خرق التهدئة بدأ مع تغريدات عضو "مجلس شورى" الحركة وقائد "جيش الأحرار" أبي جابر الشيخ، الذي وجه انتقادات مبطنة للطرف المنافس، بسبب ما اعتبره، وبشكل غير مباشر أيضاً، تراجعاً منه عن الاتفاق الذي عقده قائد الحركة مع "جبهة فتح الشام" و"حركة نور الدين زنكي" في 20 كانون الأول/ديسمبر، على الإندماج.

وفي "تويتر" أشار الشيخ، المعروف بقيادته تياراً مقرباً من "فتح الشام" في "أحرار الشام"، إلى أن شروط الحركة للاندماج مع الجبهة باتت متوفرة، بعد فك الأخيرة إرتباطها مع تنظيم "القاعدة" وموافقتها على ألا يقتصر التوحد على هذين الفصيلين، وألا يكون القائد من الجبهة.

وبينما تعددت القراءات لتصريحات أبي جابر هذه، بين من رأى فيها تحميلاً للتيار الآخر في الحركة المسؤولية عن عدم التوحد، وبين من رأى فيها تهديداً بمضي التكتل الذي يقوده بتنفيذ اتفاق الإندماج الثلاثي بالاعتماد على كتلة "جيش الأحرار" التابعة لهذا التيار، فقد جاء الرد على هذه التصريحات من مسؤول العلاقات الخارجية في المكتب السياسي لـ"حركة أحرار الشام" لبيب النحاس، الذي ندد بما اسماه "المؤامرات التي تهدف إلى تدمير الساحة، والتهديدات التي تستهدف رافضي الاندماج المفصل على مقاسات البعض"، مؤكداً أن "الاندماج هدف الجميع ولكن ليس بأي ثمن، وأن التأني لا يعني التعطيل".

النحاس اعتبر أن الثورة على مفترق طرق، بسبب قصور في النظر وأطماع شخصية تدفع البعض لخيارات مدمرة، حيث يتم تخيير الساحة بين الذوبان في مشروع ايديولوجي حاد أو مواجهة الاستقطاب، وأن تهافت واستشراس بعض الأطراف لتحقيق مشروعهم بأي ثمن، جعلهم يتحركون باتجاه تحالفات خطيرة وانتحارية. وأضاف أن الاندماج الصحيح لا يبنى على اتفاقيات سرية أوالتهديد والاستقواء بالغلاة، ولا يتسبب في زيادة عزلة الثورة، ولا على فتاوى معلبة من شرعيين معلبين تتوعد المعارض بالعقاب، ولا يكون بتعطيل غرف العمليات لإجبار الآخرين على الخضوع، بل يبنى على تأييد شعبي حقيقي، وعلى خطوات مدروسة.

النحاس هاجم بشدة أيضاً منتقدي "المكتب السياسي"، المتهم باستمرار من جانب التيار السلفي الجهادي، بالخروج على ثوابت الحركة وتوجهاتها، وبافشال مشاريع التوحد مع "جبهة فتح الشام"، مذكّراً في السياق بأن جهود السياسيين هي التي مكنت بعض من يقود الحملة عليهم من الخروج من حلب على قيد الحياة، قائلاً إن بينهم "من يعتبر عاراً على المهاجرين".

ويبدو أن النحاس كان يشير إلى بعض الدعاة من التيار السلفي المصري، الذين انشقوا عن "حركة أحرار الشام" قبل أشهر بسبب خلافات مع "المكتب السياسي" للحركة، والذين يصفون القائمين عليه بـ"تيار المميعين". وفي مقدمة هؤلاء أبو اليقظان المصري وأبو الفتح الفرغلي، اللذين انتقدا بشدة مجدداً هذا التيار، مع الداعية السعودي صالح العليان الناشط في "مركز دعاة الجهاد". وأكد هؤلاء على تحميل الأغلبية المحسوبة على التيار الثوري في "حركة أحرار الشام" المسؤولية عن عرقلة مشروع الاندماج بعد التوقيع عليه من قادة الفصائل الثلاثة "الزنكي" و"فتح الشام" و"الأحرار".

ولم يكن النحاس وحده في الرد على هذه التعليقات والمواقف، بل كان معه العديد من الشخصيات في الحركة أو مقربين منها، والذين أكدوا على عدم صحة ما تم تداوله من قبل الطرف الآخر عن حصول تصويت رسمي من "مجلس الشورى" في "حركة أحرار الشام" لصالح تعطيل المشروع، مؤكدين أن المطلوب العمل من أجل مشروع توحد يشمل جميع الفصائل، ويمنع قيام مشروعين متنافسين يزيدان من حدة الاستقطاب على الساحة، بما من شأنه أن يؤدي إلى عواقب وخيمة سيكون في مقدمتها الاقتتال.

مطالب ومخاوف يراها الكثيرون منطقية جداً، خاصة وأن مشروع الاندماج الآخر سيكون بين فصائل أخرى، تخشى أن يتم استهدافها من قبل التشكيل الجديد الذي تم التوافق عليه مبدئياً بين الفصائل الثلاثة المذكورة. وقد توافقت هذه الفصائل بشكل مبدئي على التوحد بمشروع اندماج آخر في حال رفض القائمون على المشروع الأول اندماجهم معهم وفق صيغة متفق عليها من الجميع.

وكان قائد "لواء صقور الشام" أبو عيسى الشيخ، قد أكد في تسجيل صوتي مطلع هذا الاسبوع، ما سبق ونشرته "المدن" حول تفاصيل المفاوضات التي شهدها الاسبوع الماضي بين مختلف الفصائل في ما يتعلق بمشروع الاندماج الشامل، مشيراً إلى أن الفصائل التسعة الأخرى أبدت استعدادها المطلق للانضمام إلى المشروع القائم بين "الأحرار" و"الزنكي" و"فتح الشام"، لكنها اصطدمت بإصرار الطرف الآخر على أن تنضم بقية الفصائل إلى المشروع كما تم التوافق عليه بينها دون أي تعديل، الأمر الذي رفضته بقية الفصائل، التي أكد أبو عيسى أنها ما تزال مستعدة للاندماج الشامل لكن من دون شروط أو ترتيبات مسبقة، وهو ما أكدته هذه الفصائل في بيان صدر عنها فجر الأربعاء.

والفصائل التسعة التي يتحدث عنها الشيخ هي بالإضافة إلى "جبهة أهل الشام" المشكلة حديثاً من اندماج كل من "جيش المجاهدين" و"ثوار الشام" و"لواء بيارق الإسلام": "جيش الإسلام" و"لواء صقور الشام" و"فيلق الشام" و"الجبهة الشامية" و"الفوج الأول" و"فرقة الصفوة" و"أحرار الشرقية"، بالإضافة إلى "لواء شهداء الإسلام-داريا".

وكما يواجه مشروع الاندماج الثلاثي، الذي يقول القائمون عليه إن العديد من الفصائل الإسلامية الأخرى أبدت استعدادها للانضمام إليه، الانتظار، يواجه المشروع الآخر الموقف ذاته. وبالنسبة للمشروعين فإن كلمة السر لإنطلاقهما هي "حركة أحرار الشام".

فكل طرف كما هو واضح، يسعى إلى أن تكون الحركة مع مشروعه، لا باعتبارها أكبر فصيل عسكري فقط، بل وكذلك باعتبارها بيضة القبان بما تمثله من رمزية مهمة لا يمكن لأي منهما الاستغناء عنها.

فمن وجهة نظر أصحاب المشروع الأول الذي تطغى عليه الصبغة الإسلامية السلفية، وخاصة بعد التقارب الكبير بين "حركة نور الدين زنكي" و"جبهة فتح الشام"، فإن وجود "حركة أحرار الشام" معهما، يعطي المشروع زخماً شعبياً أكبر ويمنحه المزيد من المشروعية الثورية.

وفي المقابل، فإن المشروع الآخر، وعلى الرغم من وجود فصيلين إسلاميين مهمين فيه، هما "جيش الإسلام" و"لواء صقور الشام"، إلا أن القائمين عليه يدركون مدى الإضافة التي سيوفرها وجود "حركة أحرار الشام" كأكبر فصيل إسلامي معهم، خاصة في ظل حالة الاستقطاب القائمة بين التيار الثوري والإسلامي على الساحة المعارضة اليوم.

لكن وبدلاً من أن تستفيد "حركة أحرار الشام" من هذا التنافس عليها، وبسبب الصراع الداخلي الذي تعيشه من ناحية، والضغوط التي تتعرض لها من ناحية أخرى، فقد انعكس هذا الوضع إرباكاً كبيراً لديها، إذ أن تخليها عن أي من المشروعين سيفقدها أحد جزئي الرمزية، باعتبارها فصيلاً إسلامياً وثورياً في الوقت نفسه.

معادلة معقدة، يرى الكثيرون أنها تجعل مشروعي الإندماج معلقين إلى أجل غير مسمى، وأن المخرج الوحيد الممكن، هو إحياء مشروع "مجلس قيادة الثورة"، الذي سبق وأن تم العمل عليه مطلع العام 2015 وبلغ مرحلة متقدمة وقتها. أو على الأقل الاستفادة مما أنجزه القائمون عليه من دراسات تنظيمية وإدارية، والعمل على معالجة التحفظات التي أدت إلى عرقلته سابقاً. وهو خيار يرى البعض أنه يمكن أن يشكل المخرج للمشروعين ولـ"حركة أحرار الشام" بالتحديد، التي يمكنها أن تفرضه مستغلة حاجة الجميع إليها والعمل على جمع كل الأطراف حوله.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024