الأمم المتحدة ومضايا.. "إنها لعبة نلعبها"

فادي الداهوك

الإثنين 2016/01/11
أربك حضور قضية مضايا المكثف في الإعلام حزب الله والنظام وأنصارهما، الذين انفلتوا خلال الأيام الماضية وتفتّقت في أذهانهم أفكار سادية، متوحشة، لإغاظة الجوعى في مضايا، والمتضامنين معهم خارجها، فالتقطوا صوراً مع أطباق الطعام. كان من اللافت، في سياق التقاط صور "سيلفي" مع أطباق الأرز والدجاج المشوي! قيام عدد كبير من الكتّاب بالاستفاضة بتكذيب قصّة مضايا. أولئك طرحوا أيضاً أسئلة محقة عن دور المجتمع الدولي والأمم المتحدة في هذه الأزمة.

أين هي الأمم المتحدة فعلاً؟

"مؤسسات الدولة السورية ما زالت تعمل، وتقدم الخدمات لأعداد كبيرة من المدنيين حتى في المناطق التي هي ليست تحت سيطرتها". هذا الكلام هو اقتباس من مقابلة مطوّلة، أجراها منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا السفير يعقوب الحلو، مع قناة "الإخبارية السورية" في مايو/أيار العام الماضي. مما قاله أيضاً "لا يمكن التلاعب ببلد مثل سوريا، لأن أي تلاعب بسلامتها وأمنها هو تلاعب مباشر بأمن وسلامة العالم".


عُيّن الحلو في سوريا عام 2013، بعد اعتماد أوراقه من قبل وزير الخارجية السورية وليد المعلم، وتسلّم منصبه في سوريا مع تفاقم الأزمة الإنسانية بسرعة ملحوظة، نظراً لاشتداد التدخل الإيراني، وتدخل حزب الله، واعتماد النظام تجربة البراميل المتفجرة كسلاح رخيص وفتّاك.


قبيل قدوم الحلو، كانت الأمم المتحدة قد أطلقت نداءها الإنساني الأضخم في تاريخها "خطة الاستجابة الإنسانية". وقتها، كان النظام يبرم اتفاقاً مع المنظمة يضمن له الحصول على ثلث ما ستحققه من ندائها ويخصص لعمليات إغاثية داخل البلاد، مقابل السماح لها بالعمل رسمياً في مجال الإغاثة في سوريا. ومن أجل ذلك، كان أحد شروط حكومة دمشق أن تختار الأمم المتحدة 44 منظمة من أصل 110، سجلتها الحكومة في قائمة أطلق عليها تسمية "الشركاء المحليين". كانت مهمّة تلك المنظمات، وكلّها مرخّصة من قبل النظام وتعمل تحت رقابته أو تحت جناح مؤسسات تابعة لزوجة الأسد، تمرير مساعدات الأمم المتحدة إلى المحتاجين في سوريا من خلالها.


خضعت المنظمة الدولية لشروط النظام، وفي مقدمتها أن أي قرارات استراتيجية أو لوجستية تتخذها الأمم المتحدة في سوريا، كتوزيع للمساعدات أو إنشاء مكاتب ومواقع ميدانية في سوريا "ينبغي اتخاذها بعد الحصول على إذن وتراخيص من الحكومة السورية".


تعززت العلاقة بين النظام السوري والأمم المتحدة بعد الخرق الفارق ل"خطة الاستجابة الإنسانية"، إذ أعطت حكومة دمشق، للمرة الأولى، إذناً لـ"برنامج الأغذية الإنمائي" للعمل في سوريا، وعلى هذا الواقع تقاس لحظات كثيرة، واتفاقات أخرى.


في تلك الفترة، وإلى الآن ربما، بدا وكأن سفير الأمم المتحدة هو الحل السحري لملفات المناطق المحاصرة. وللأسف، دائماً ما يكون اتفاق "تفريغ حمص" هو المثال الأبرز للدلالة على حجم "الجريمة الدولية" التي ترتكب في سوريا. فالحلو كان وسيط الأمم المتحدة في الاتفاق الذي أنجز في 2014، وأفضى إلى تفريغ الأحياء القديمة في حمص، من سكانها ومن المقاتلين، وإخراجهم إلى الريف الشمالي. وقد عمل على هذا الملف مع مستشاره الأمني محمد ندى، ومساعده ويليام سترينغيو، بتكليف من مبعوث الأمم المتحدة، آنذاك، الاخضر الإبراهيمي.


من المفترض أن يبدأ، اليوم أو غداً، إدخال مساعدات غذائية إلى مضايا في ريف دمشق، ومساعدات غذائية ومحروقات إلى كفريا والفوعة في ريف إدلب، بحسب مصادر عديدة. هذا الإعلان جاء في بيان، الأسبوع الماضي، لسفير الأمم المتحدة، الذي كان قد أشرف في وقت سابق أيضاً على اتفاق إخلاء الزبداني.


للوهلة الأولى، يبدو الحديث عن أن الطعام إلى مضايا، مقابل الوقود إلى كفرية والفوعة، نسخة مصغّرة عن برنامج "الغذاء مقابل النفط" الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق سنة 1996. هذه الإشارة بالطبع ليست تلميحاً إلى أن أهل مضايا، المتظاهرين بالجوع- على رأي أهل "السيلفي"- يخفون تحت أسرتهم سلالم تقود إلى آبار للنفط، لكنها لحظة تاريخية واحدة من سجّل حافل بلحظات الفساد، تطبّعت به الأمم المتحدة بطبع من عملت معهم، وهي بالأمس القريب اعترفت بتوزيعها 320 طرداً من البسكويت المنتهي الصلاحية على المحاصرين في الزبداني ومضايا. كان ذلك في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهذا يعطي إجابة على أسئلة المستهجنين: لماذا الآن بدأوا يقولون إن مضايا محاصرة؟


في أواخر العام 2011، أجرى الأسد أول مقابلة مع الإعلام الأميركي عقب اندلاع الاحتجاجات ضد نظامه. سألته الإعلامية الأميركية باربرا والترز في مقابلة لصالح شبكة "اي بي سي" الأميركية عن تقرير أصدرته الأمم المتحدة حينها، تضمّن شهادات لأشخاص تعرضوا للتعذيب في سوريا. ردّ الأسد "من الذي قال إن الأمم المتحدة هي مؤسسة ذات مصداقية؟ هي ليست شيئاً جديداً، بل هي من قبل جيلي، وهي شيء ورثناه كمفهوم.."، فسألته والترز "لكن لديكم سفير في الأمم المتحدة"، فأجاب "إنها لعبة نلعبها، وهذا لا يعني أن نصدقها".

لا شك أن لكل لعبة نهاية، إلا أن نهاية لعبة الأم المتحدة لا تزال تأتي على ما يهوى الأسد. ففي العام الماضي اختيرت سوريا من قبل الأمم المتحدة لكتابة رسالة إدانة في مؤتمر "إنهاء الاستعمار"، ورسالة إدانة في مؤتمر لمكافحة "استعباد الشعوب". وقبلها بسنة اختيرت أيضاً لتكون قاضية في لجنة حقوق الإنسان الخاصة بمنظمة اليونسكو.

هل صدرت تلك القرارات عن منظمة الأمم المتحدة حقاً، أم عن إحدى منظمات زوجة الأسد الخيرية التي اختارتها الأمم المتحدة لتنفيذ برنامجها الإغاثي في سوريا؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024