الأزمة الخليجية فرصة لبناء تحالفات قوية

المركز العربي للابحاث

الخميس 2017/08/10

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأربعاء، نخبة من الباحثين والمختصين القطريين ناقشوا الجوانب والآثار الاقتصادية والقانونية والسياسية المترتبة على الأزمة الخليجية التي تفجرت يوم الخامس من حزيران 2017 بقيام ثلاث دول خليجية ومصر بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وفرض حصار جوي وبري وبحري عليها.

شارك في الندوة د. خالد الخاطر الخبير في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي، ود. محمد الخليفي عميد كلية القانون بجامعة قطر، ود. ماجد الأنصاري أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قطر.


رأى الخاطر أنّ ما تقوم به دول الحصار يعد بمثابة اعلان حرب على دولة قطر، لكنه أكد أن الاقتصاد القطري تمكن من مواجهة الأزمة مستندا الى مصدرين للقوة؛ وهما، الموارد الطبيعية التي تمتلكها قطر والسياسات الاقتصادية الحكيمة، ويعتبر أن هذين المصدرين أسهما منذ قبل الأزمة في تحقيق التنمية وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية وتشجيع السياسات الاستثمارية والتحول نحو التنويع الاقتصادي وصولاً إلى توفير البدائل من المنتجات والسلع واحتياجات التنمية عبر الانفتاح على أسواق جديدة بتوقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول الاجنبية.


وشدّد الخاطر على أنّ القطاع المالي والقطاع المصرفي محصن بفضل السياسات الائتمانية التي اتبعها المصرف المركزي منذ بداية الأزمة. وأنّ السياسات المتبعة حدّت من انكشاف وتأثر القطاع المالي والمصرفي القطري وذلك عبر ضخّ الأموال والودائع. ورأى أن العملة القطرية تعرضت لمحاولات المضاربة خلال الأزمة ولكنها أثبتت أنها عملة قوية حيث تعتبر الأكثر استقرارا في المنطقة منذ عقود طويلة وذلك بفضل الاحتياطات المالية وصندوق الدولة السيادي.


ويؤكد الخاطر بأنّ دول الحصار ستفقد مصداقيتها على المدى الطويل نظراً لتدميرها بيئة الأعمال ومشاريع التكامل الاقتصادي، وأنّ هذا الصدع سيمتدّ ليطال نموها الاقتصادي وأضاف أنّ الدروس المستفادة عديدة من هذه الأزمة تبدأ بضرورة العمل على سياسات اقتصادية جديدة تضمن للاقتصاد القطري أن لا يعود إلى ظروف ما قبل الأزمة في الاعتماد على تقلبات سياسات دول الجوار وتقلبات أسعار النفط وهذا يلزم إعادة رسم السياسات لتحفيز التنويع الاقتصادي في المجالات المختلفة لتحقيق الأمن والتنمية المستدامة والرفاه الاجتماعي والاقتصادي، وذلك عبر ثلاثة مرتكزات، وهي؛ الاعتماد على الذات، وتقليص الاعتماد على دول الجوار، وتنويع وكلاء الاستيراد. هذا إلى جانب تشجيع السياسات الصناعية في خضمّ عملية التنويع الاقتصادي.


وأنهى مداخلته، بأن على الأزمة قدمت لنا درساً في ضرورة التركيز على البحث العلمي والجامعات في دولة قطر، فمراكز الأبحاث باتت تشكّل معامل القوة للعقول في طور التحول للتنويع الاقتصادي؛ والذي يوّصي أن يتم عبر بناء رأس المال البشري، وإصلاح القطاع العام وتعزيز الحوكمة وإعطاء فرص للكفاءات، وإصلاح القطاع الخاص.


أما الورقة الثانية التي قدمها محمد الخليفي، فركزت على الجوانب القانونية للأزمة، فالقانون الدولي يعتبر المرجع الرئيسي للعلاقات الدولية إلى جانب قوانين حقوق الإنسان على اعتبار أنّ الفرد جزء من كيان المجتمع الدولي، وأسهب الخليفي في الحديث عن شقين؛ الأول، المبادئ والأحكام التي خالفتها دول الحصار عبر قرارها بمقاطعة وحصار دولة قطر، والثاني هو ماهية الاجراءات التي يحق للدولة أن تأخذها أمام الهيئات والمنظمات الدولية.


ويرى الخليفي أنّ قرار حصار دولة قطر يخالف المبادئ العامة للقانون الدولي، فاستخدام أو التهديد باستخدام القوة في العلاقات الدولية، يندرج ضمن استخدام العنف التي تمارسه دولة على دولة، ويعتبر الخليفي أنّ المقاطعة الاقتصادية والسياسية هي عمل انتقامي، وكما يشدد على أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة هو مبدأ سيادي للدول وأنه يعطي الدولة الحرية في اتخاذ سياساتها دون ولاية أو وصاية من قبل دولة أخرى عليها. ويرى الخليفي أنّ دول الحصار لم تتجه لمبدأ فضّ المنازعات بالطرق السلمية وخالفت القانون الدولي في ذلك، وهذا يوضح وجود نيّة لإضرار دولة قطر.


ويشدّد الخليفي على أنّ دول الحصار خالفات مبادئ حقوق الانسان وخالفت مواثيق دولية وقعت عليها هذه الدول من بينها تنظيم حركة المرور الجوي التي تمنع التمييز في الطيران بحسب الجنسية إلا في وقت الحرب. ويرى بأنّ احتكام الدول لقواعد القانون الدولي ينمّ عن الثقافة القانونية للدولة وهذه الثقافة هي التي تدفع لاحترام حقوق الانسان وحقوق الجوار، وإنّ عدم تجاوزها هو ثقافة تدعو للاحترام والتعقل فهذه المواثيق هي مبادئ سامية.


وفي الورقة الأخيرة، التي ناقشت الأبعاد السياسية، طرح ماجد الأنصاري تشخيصه للأزمة انطلاقا من بعد زمني، ففي مرحلة ما قبل الازمة، يرى بأن هناك مجموعة من المسلمّات التي كنا نؤمن بها وأضحت غير حقيقية، فالخلاف التاريخي بين هذه الدول هو قديم وليس جديد. ويعتبر أن الثورات العربية كشفت عن دولٍ داعمة للتغيير وتميل لخيار الشعوب ومحور آخر ضد خيار الشعوب، ويرى أنّ الموقف القطري كان ثابتاً بدعم التغيير في الدول العربية والوقوف إلى جانب الشعوب.


ويؤكد الأنصاري أنّ الصراعات داخل بيت الحكم في المملكة العربية السعودية ولعبة الكراسي لعبت دوراً في قرار حصار قطر، واعتبر أن مؤتمر الرياض ووصول الرئيس دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية وفّر لدول الحصار فرصة للانفراد به واقناعه باتخاذ موقف ضد دولة قطر.  


ويرى الأنصاري أنّ دول الحصار تسعى الى إقناع الإدارة الأميركية بضرورة إعادة فرض الأنظمة السابقة والوقوف ضد التغيير، ويؤكد بأن أمرين رئيسيين كان لهما أثر خلال الأزمة، فشل دول الحصار في استجلاب موقف امريكي حقيقي وليس شخصي من ترامب وهذا ما اوضح دور المؤسسة الأميركية في إدارة الأزمة لاحقاً عبر وزير الخارجية الأميركي، ومؤتمر القاهرة والذي يعتقد أنه نقطة نهاية التصعيد لهذه الازمة، حيث أثبتت دول الحصار بأنها باتت غير قادرة على التصعيد، ليأتي بعد ذلك مؤتمر المنامة الذي أثبت هذه الرؤية.  ويرى الأنصاري أن للأزمة العديد من التداعيات التي ستنقل قطر إلى الاستقلال السياسي الحقيقي والاعتماد على تنويع العلاقات الثنائية والخروج من مبدأ المجاملة السياسية الذي كانت تعتمده قبل الأزمة.


وفي ختام الندوة، دار نقاش جرى فيه تناول مجموعة من القضايا كمستقبل مجلس التعاون الخليجي، والسياسات الخارجية لدولة قطر ودور إيران خلال الأزمة وموقف المنظمات الدولية والتداعيات الاقتصادية على دول الخليج العربية.


ومن الجدير ذكره أن هذه الندوة تندرج ضمن نشاطات منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية والذي يعقد مطلع كانون أول / ديسمبر من كل عام ويناقش هذا العام في مجموعة كبيرة من الأوراق مسارات الأزمة الخليجية ومستقبلها بمشاركة باحثين وجامعيين وخبراء من منطقة الخليج والوطن العربي والعالم. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024