سوريا: فصول من سيرة وزراء الحكومة الجديدة

مجد الخطيب

الثلاثاء 2016/07/05
لم يكترث الشارع السوري بالتشكيلة الحكومية التي أقرها الرئيس السوري بشار الأسد، بموجب مرسوم صدر الأحد الماضي، وقضى بتسمية أعضائها. فخلال نصف قرن من حكم عائلة الأسد، بات السوريون يعلمون أن الحكومات التي تتعاقب، لا تشكل سوى الجزء الظاهر من نظام الحكم، جزء لا يمكنه اتخاذ أي قرارات مصيرية. فالوزراء عبارة عن موظفين مهمتهم التسويق لسياسات النظام التي تتخذها دائرة ضيقة من العائلة الحاكمة وأبرز وجوه الأجهزة الأمنية.

وكانت العقوبات الغربية قد طالت كامل التشكيلة الحكومية في العام 2011، نتيجة الانتهاكات بحق الشعب السوري. إلا أن النظام حافظ على أبرز الوزراء المُعاقبين غربياً، في تشكيلته الحكومية الجديدة، في الوزارات التي توصف بـ"السيادية"، كالدفاع والداخلية والخارجية والاقتصاد. 

وزير الكهرباء في الحكومة السابقة عماد خميس، المشمول بالعقوبات الغربية، كان قد كُلّف في 22 حزيران/يونيو 2016 برئاسة الحكومة وتشكيلها، وهو من مواليد ريف دمشق 1961، وحاصل على إجازة جامعية في الهندسة الكهربائية. القفزة السياسية الأولى في سيرة عماد خميس، كانت باختياره في العام 2011، وزيراً للكهرباء في حكومة عادل سفر، التي لم تصمد سوى 14 شهراً. واستمر خميس في وزارته للكهرباء في حكومة رياض حجاب، الذي انشق عن النظام في آب/أغسطس 2012. وواصل احتفاظه بموقعه الوزاري في حكومتي وائل الحلقي؛ الأولى والثانية.

وقد جرى تغيير الوجوه الاقتصادية جميعها في حكومة خميس الجديدة؛ فتم تعيين علي غانم، وزيراً للنفط والثروة المعدنية خلفاً لسليمان عباس، وأحمد الحمو وزيراً للصناعة. في حين شكلت وزارة الاقتصاد التغيير الأكبر في الحكومة، فترأس حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة، وزارة الإقتصاد، خلفاً لهمام الجزائرلي. واقترن ظهور ميالة في الإعلام مع تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار، من 50 ليرة إلى أكثر من خمسمئة ليرة، وقد شكّل خلال السنوات الخمس الأخيرة، الوجه الاقتصادي الأول في النظام.

ميالة كان قد بدأ حياته السياسية كموظف في الملحقية التجارية في السفارة الفرنسية في دمشق في التسعينات، ليتولى بعدها منصب مستشار اقتصادي لـ"اتحاد نقابات العمال"، قبل تسلمه حكم مصرف سوريا المركزي منذ العام 2005، بسبب العلاقة الوثيقة التي تربطه مع رامي مخلوف رجل الأعمال الأشهر في سوريا، وابن خال الأسد. وميالة خاضع للعقوبات الغربية، ويحمل جنسية فرنسية إلى جانب السورية، ولديه اسم فرنسي: اندريه ماريا.

وحلّ مدير عام "المصرف التجاري السوري" دريد درغام، محلّ ميالة في حكم مصرف سورية المركزي. وكان وزير المالية السابق محمد الجليلاتي، قد أصدر قراراً بالحجز على أموال درغام المنقولة وغير بالمنقولة، بسبب فساد مالي، بحسب ما ذكرته سابقاً صحيفة "الوطن" الموالية للنطام.

في حين أتى عبد الله الغربي وزيراً للتجارة الداخلية خلفاً لجمال شعبان. والغربي كان يشغل منصب عضو منظمة قيادة حزب "البعث" في مدينة ليون الفرنسية، وعضو المكتب الإداري للاتحاد الوطني لطلبة سوريا في فرنسا.

المهندس حسين مخلوف، انتقل من موقعه كمحافظ لريف دمشق إلى وزير للإدارة المحلية. ومخلوف هو أحد أبناء عم رامي مخلوف، ابن خال الرئيس، وكان مديراً لفرع دمشق لـ"شركة الساحل للإنشاء والتعمير" بين العامين 2001 و2003، ثم مديراً لفرع اللاذقية لـ"الشركة العامة للبناء والتعمير"، وتسلم منصب مدير عام "الهيئة العامة للموارد المائية" في العام 2006، قبل أن يُصبح محافظاً لريف دمشق منذ العام 2011.

وكان حسين مخلوف يملك بالشراكة مع ابن عمه رامي، شركة "راماك الإنشائية"، وهي شركة بناء وإنشاءات، حاصلة على وكالة مصاعد شندلر السويسرية. وبعد فرض العقوبات الدولية على رامي، تغير اسم "راماك" إلى "مجموعة حسين مخلوف وشركائه" لتجنب العقوبات المفروضة على "راماك". وبحسب "ويكليكس"، ففي رسالة موقعة من حسين مخلوف، أعلن فيها للشركة السويسرية تغيير اسم الشركة إلى "اسم ذي طابع مألوف" مع مساهمين فقط، حسين وابنه زين العابدين، ومن ثم تعديله في وقت لاحق، كما عيّن مخلوف زوجته صبا في "الشؤون الاجتماعية" في الشركة. وتم حلّ مشكلة العقوبات على رامي في "راماك" بتلك الطريقة، وفي 26 أيلول/سبتمبر 2011، راسلت "شندلر" أحد فروعها في تركيا، وطلبت منه مباشرة العمل والتوريد لشركة "حسين مخلوف" في أقرب وقت ممكن.

محافظ السويداء عاطف نداف أصبح بدوره وزيراً للتعليم العالي. ونداف من مواليد ريف دمشق في العام 1956، وكان عضواً في مجلس الشعب ونائب رئيس لجنة الأمن القومي بين عامي 2003 و2007، ثم أصبح محافظاً لطرطوس وبعدها للسويداء. ويتهمه الأهالي بالتضييق على السويداء اقتصادياً، في حين تتهمه المعارضة بالمشاركة في تهريب الآثار من السويداء بالتعاون مع رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية وفيق ناصر.

أما الوزراء الذين يمكن اعتبارهم من التكنوقراط فمنهم وزير الكهرباء الجديد محمد زهير خربوطلي، من دمشق، وكان يشغل سابقاً منصب مدير عام شركة كهرباء محافظة ريف دمشق. ووزير المالية الجديد مأمون حمدان، وهو أستاذ المحاسبة المالية في جامعة دمشق، وعضو مفوضي هيئة الأسواق والأوراق المالية.

أحمد الحمو عاد وزيراً للصناعة بعد غياب 16 عاماً، منذ أن كان وزيراً في حكومة مصطفى ميرو في العام 2000.

بينما شغل علي الظفيري من مواليد طرطوس 1962، منصب وزير الاتصالات بعدما كان معاوناً للوزير. كما أصبح المدير العام للمواصلات الطرقية علي حمود من مدينة طرطوس وزيراً للنقل.

وزارة الإعلام شهدت تغيراً بعد إقالة وزير الإعلام عمران الزعبي، ليحل بدلاً عنه محمد ترجمان، المدير العام للإذاعة والتلفزيون، وهو من مواليد دمشق وحائز على إجازة جامعية في هندسة الالكترون.

محمد الأحمد من اللاذقية 1961 أصبح وزيراً للثقافة خلفاً لعصام خليل، بعدما أمضى ستة عشر عاماً على رأس الإدارة العامة للسينما.

الأسد وبخلاف التسريبات التي خرجت عن تغييرات حكومية كبيرة سوف يجريها، فضل الإبقاء على الوزارات السيادية الكبرى بيد رجاله الذين يثق بهم. فبقيت وزارة الداخلية بيد محمد الشعار من اللاذقية 1960، والذي كان قد شغل مناصب أمنيّة متعددة، كان آخرها رئيس الشرطة العسكريّة وقبلها رئيس الاستخبارات العسكرية في حلب. الشعار تولى منذ 14 أبريل/نيسان 2011 مسؤولية وزارة الداخلية في حكومة عادل سفر، وشملته العقوبات الغربية في آب/أغسطس 2011. وعدا عن تورط الشعار في قمع الثورة السورية، فسجله السابق على العام 2011 حافل بالمجازر، وتتهمه المعارضة بمجزرة سجن صيدنايا في العام 2008 والتي راح ضحيتها 25 سجيناً. وقد رفع عدد من الحقوقيين اللبنانيين دعاوى قضائية عليه لاتهامه بارتكاب مجازر في باب التبانة في فترة الوصاية السورية في لبنان. وبحسب بعض الحقوقيين فقد لُقّب الشعار بسفاح طرابلس بعد المجزرة التي ارتكبها بمساعدة اللبناني علي عيد.

كما بقي على رأس وزارة الدفاع فهد جاسم الفريج، وهو من مواليد قرية الرهجان 1950، التابعة لناحية الحمرا في محافظة حماة. الفريج المشمول بالعقوبات الغربية، لم يكن معروفاً كثيراً من قبل، لكنه في العام 2005 أصبح أحد نواب رئاسة هيئة الأركان. وقد عين في بداية الثورة رئيساً لهيئة الأركان خلفاً لداوود راجحة الذي أصبح وزيراً للدفاع، ثم خلفه وزيراً للدفاع بعد مقتله في تفجير مبنى الأمن القومي السوري. ويشكل فهد جاسم الفريج واجهة سنية يعكز عليها النظام في مواجهة اتهامات المعارضة بالسيطرة الطائفية على المؤسسة العسكرية. فوزير الدفاع في سوريا، هو منصب شكلي مخصص للسنّة، باستثناء الفترة التي استلم الوزارة العماد علي حبيب بين العامين 2009 و2011.

وزارة الخارجية بقيت بيد وليد المعلم، مواليد دمشق 1941، الذي كان مديراً لمكتب وزير الخارجية الأسبق فاروق الشرع، وسفيراً سابقاً لسوريا في واشنطن. وبعد انشقاق عبدالحليم خدام، لجأ الأسد إلى تكليف فاروق الشرع بمنصب نائب رئيس الجمهورية، وترقية وليد المعلّم بعد توليه منصب نائب وزير الخارجية قبلها، وقد ورث عن خدام الملف اللبناني. وعيّن المعلم وزيراً للخارجية في العام 2006، وكان له دور كبير في إعادة علاقات النظام الدولية من جديد بعد العزلة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة أن وليد المعلّم هو من نقل تهديدات الأسد للحريري قبل اغتياله بأسبوعين.

الأسد فضّل أيضاً الإبقاء على وزير الأوقاف محمد عبد الستار، من مواليد طرطوس ومفتيها، وهو مقرب من إيران. وبحسب المعارضة فعبد الستار يعتبر من أكبر قادة حملات التشييع، بعد تزكيته من قبل هشام بخيتار، رئيس مكتب الأمن القومي السابق. ولعبد الستار يد في استيلاء العديد من المؤسسات التابعة لإيران على أراض في سوريا عن طريق وكالات عقارية ومكاتب تجارية. وهو الذي قام بإقصاء كبار مشايخ دمشق الذين عارضوا الأسد بداية العام 2011، وأعفى كبار القائمين على التعليم الديني من أصحاب السمعة الحسنة مثل عبد الرزاق الحلبي وسارية الرفاعي وعبد الفتاح البرم وحسام فرفور، من عملهم.

وفي المحصلة، وبخلاف التسريبات التي خرجت خلال الأيام الأخيرة، فالنظام لم يُجر تغييرات جذرية في الحكومة، باستثناء الجانب الاقتصادي. كما أنه لم يُطعم وزارته بوجه من "المعارضة الوطنية" التي يرضى عنها، وتعمل تحت سقفه.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024