معضمية الشام.. بين كوريا الجنوبية وبورما

معاوية حمود

الخميس 2016/09/08
استطاع تاجر دمشقي له علاقات قوية مع النظام، الحصول قبل شهور على تصريح خاص للدخول إلى مدينة معضمية الشام المحاصرة في غوطة دمشق الغربية، للاطلاع على وضع أملاكه ومستودعاته، والتي بات يسكن فيها حالياً بضعة نازحين تقطعت بهم السبل بعدما دمرت قوات النظام بيوتهم. ويروي أحد القاطنين في مستودع التاجر الدمشقي، دهشة أولاده من حديث التاجر، الزائر الدائم والهائم في حب كوريا الجنوبية وتجربتها الصناعية الريادية في العالم ومستوى التقانة والعلم فيها؛ حتى أن ابن النازح الأصغر، سأل التاجر: وهل يوجد كهرباء في كوريا؟

توقف الزمن في معضمية الشام مع اطباق قوات النظام الحصار عليها قبل أربعة أعوام، وعقد هدنة عسكرية فيها، أبقت الحصار ولم تدخل الغذاء والدولاء ولا الكهرباء. وكانت قوات النظام قد استطاعت في منتصف العام 2015 فصل مدينتي داريا ومعضمية الشام عن بعضهما، وإجبار مقاتلي المعضمية على عدم مؤازرة اخوتهم في داريا.

ويبدو اليوم، أن ما يشبه تخبطاً واسعاً، يعيشه النظام، في التعامل مع ملف معضمية الشام، وهذا قد يعكس حالة التنازع في الولاء ضمن أجهزة النظام المختلفة، بين روسيا وإيران. وفي حين تريد القوى الموالية لإيران في النظام فرض نموذج تطهير عرقي في المعضمية مشابه لما حدث في داريا، قد تكتفي الأجهزة الموالية لروسيا باخضاع المدينة وانهاء ثورتها.

وطلب ممثلو النظام في 4 أيلول/سبتمبر، لوائحَ بأسماء المقاتلين والمنشقين من المعضمية غير الراغبين بتسليم أنفسهم لقوات النظام، ليتم إخراجهم إلى حيث يريدون، كشرط لازم لكسر الحصار عن المدينة. وقد طرح ممثلو النظام مدينة إدلب وريفها كمستقر للخارجين بسلاحهم، في تجربة مماثلة لثوار داريا. في 5 أيلول/سبتمبر، سلّمت "لجنة المفاوضات" ممثلي النظام لائحة الأسماء، ليتفاجؤوا بطرح جديد من قبل النظام، بتحديد الرقة أو الحدود الأردنية كجهة للخارجين. وسرعان ما غيّر النظام قراره، وقال إنه يتوجب على الخارجين ترك سلاح وأمتعتهم، ووجهتهم هي الحدود الأردنية أو حلب.

ويشير البعض إلى أن قرارات النظام المتخبطة تزيد حالة التوتر في المدينة، حيث يعيش عشرات الآلاف، بين رعب إعادة القصف أو التهجير لأبنائهم الذين اتخذوا قرار إعتزال القتال.

وكانت "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، بعد يومين من إخلاء داريا، قد أعطت أهالي مدينة معضمية الشام خيارين: إما تسليم المدينة بشكل كامل للنظام والتحاق شبابها بـ"الخدمة العسكرية" في صفوفها بعد تسوية أوضاعهم وإقامة حواجز ضمن المدينة، وتسليم النظام قائمة بأسماء ثوار المدينة والمتخلفين عن "الخدمة الإلزامية" والمنشقين عن قوات النظام غير الراغبين بالمصالحة حتى يتم نفيهم في عملية تهجير مماثلة لما حصل في مدينة داريا المجاورة، أو بحرب ابادة ضد المدينة.

مدير مكتب ماهر الأسد، العميد غسان بلال، لم يتردد في كيل التهديد والوعيد لـ"لجنة المفاوضات" بحضور ضابطين روسيين مع مرافقتهما وحمايتهما الأمنية الخاصة. و"لجنة المفاوضات" هي مجموعة من أبناء المدينة تتكون من ممثلين عسكريين عن "لواء الفجر" التابع لـ"المجلس العسكري" سابقاً في دمشق وريفها و"لواء الفتح" التابع لـ"حركة أجناد الشام"، بالإضافة إلى شخصيات مدنية من المعضمية. وبعيداً عن اسمها، فليس لـ"لجنة المفاوضات" من دور تفاوضي حقيقي، بل تقوم بالاستماع لقرارات النظام المتغيرة يومياً، ولا تملك حق النقض أو التعديل عليها.

في معضمية الشام، تربص قناصة النظام بأهل المدينة، ورسموا حدودها. هناك، لا يعرف الناس ماذا يريدون، بعدما احتملوا العيش سنوات في دائرة لا تتجاوز مساحتها كيلومتراً مربعاً، من دون طعام يؤكل سوى قليل ما أدخلته "الأمم المتحدة" ومن دون ضوء يكسر حدة الظلام سوى وميض مدفعية "الفرقة الرابعة".

وإلى أهل المدينة المحاصرة، يرسل قادة "اللجان الشعبية" التابعة للنظام، رسائل، عن اعجابهم بما يحدث في بورما، التي يُذبحُ فيها المسلمون الروهينجا يومياً. يقول ضابط من قوات النظام للأهالي: "كيسة (منيحة) بورما.. كيسة". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024