تهجير حي القدم: ربع الساعة الأخير للجنوب الدمشقي؟

عزام الصفدي

الثلاثاء 2018/03/13
انطلقت قرابة 40 حافلة، تقلّ حوالي 1500 شخص من أهالي وثوار حي القدم جنوبي دمشق، إلى الشمال السوري، بعد منتصف ليل الإثنين/الثلاثاء، بعد اتفاق مع النظام. ووصلت القافلة، ظهيرة الثلاثاء، إلى معبر قلعة المضيق في ريف حماة الفاصل بين مناطق المعارضة والنظام، ويتوقع نقلهم باتجاه مخيمات إيواء في ريف إدلب، مع انتقال 300 شخص منهم باتجاه جرابلس في ريف حلب الشمالي.

اتفاق الخروج جاء بعد تقديم النظام لـ3 عروض، إلى الوفد المفاوض عن منطقة المادنية الخاضعة لسيطرة فصائل من الجيش الحر، بخصوص حي القدم، في 8 أذار/مارس، وإمهال الوفد مدة 48 ساعة لقبول أحدها.

ونص العرض الأول على توقيع اتفاقية "مصالحة" شبيهة باتفاقيات طبقت العام الماضي في مدن وبلدات دمشق وريفها، كالتل وقدسيا ووادي بردى، وإخراج من لا يرغب بالبقاء و"تسوية وضعه" إلى الشمال السوري. العرض الثاني ينص على "مصالحة شاملة" و"تسوية أوضاع" جميع قاطني الحي من مدنيين وعسكريين على أن تتشكّل قوّة مسلّحة لحماية الحي تعمل تحت مظلّة النظام وتساهم في قتال "الإرهاب" أي "داعش" في الأحياء المجاورة. أما الطرح الثالث، والذي حمل صيغة التهديد في حال رفض العرضين السابقين، فيتضمن معاملة حي القدم كمنطقة تابعة لسيطرة "داعش"، وإحالة ملفّها إلى الحليف الروسي الذي يستعدّ لتوجيه ضربات جوية لمواقع ومناطق سيطرة "داعش" جنوبي دمشق، خلال الأيام المقبلة بحسب كلام ضباط النظام. ما يعني أن تلك الضربات ستستهدف مواقع فصائل الحر في حي القدم أيضاً.

الضغط الخارجي للنظام في مسار عملية "التهجير" الجديدة ليس الوحيد، بل تلاقت معه مساعٍ ورغبات داخلية، من قبل قيادة الفصيل الثاني في حي القدم؛ "لواء مجاهدي الشام" والذي يبلغ تعداد مقاتليه 100- 150 عنصراً، على رأسه صالح فضّو، الملقّب بـ"الزمّار"، الذي حاول لمرّات توقيع اتفاق خروج مع النظام من دون تحقيق نتائج عملية، وكان آخرها في سبتمبر/أيلول 2017، إلّا أن اعتقال أخيه وابن عمه وآخرين في قضية محاولة تهريب سيارة ذخيرة من الغوطة الغربية إلى حي القدم، قبل شهور، وسعيه لإخراجهم مقابل إخلائه مع مقاتليه إلى الشمال السوري، كان عاملاً مساعداً في تسريع عجلة الخروج. ويضاف إلى ذلك، ضغوط بعض عناصر الفصيل الراغبين بالخروج إلى الشمال السوري، والخلاص من الظرف الصعب الذي يعيشه الحي المحاصر حصاراً مزدوجاً، من النظام و"داعش"، في الوقت الذي فتح فيه خط تهريب مقابل مبالغ مالية وصلت إلى 4300 دولار أميركي، وتخوّف الزمّار من تفكك فصيله نتيجة تسرّب مقاتليه عبر تلك الشبكة.

عدا ذلك فإن وضع "الزمّار" نفسه في ما يتعلّق بسمعته ومشاكله الداخلية المتراكمة داخل الحي، مع "أجناد الشام" من جهة و"تحرير الشام" من جهة أخرى، وتورّطه بجريمة قتل "أبو فهد الصهيوني" أمير "تحرير الشام" في الربع الأخير من العام 2015، وتنقلاته العديدة بين تنظيمات مختلفة، منها "داعش"، وآخرها "جيش الإسلام"، كانت عوامل حاسمة أمام "الزمّار" للبحث عن منفذ يقيه انسداد الأفق في وضعه الحالي. وسعي الزمار للخروج إلى الشمال السوري، بات هرباً من المطاردات النفسية أكثر منها الجنائية، في مساحة صغيرة لا تتجاوز كيلومتراً واحداً.

وفي نقاش الوضع العام في حي القدم، لا يصح التغافل عن العوامل الموضوعية التي تحيط بوضع أهالي وثوار الحي الذي تطوّقه قوات النظام من الجهتين الغربية والجنوبية، منذ عام 2013، ويحاصره عناصر "داعش" من الشرق والشمال في منطقة العسالي والحجر الأسود منذ عام 2015. فعلى الجانب العسكري تعيش فصائل الحي بتعداد يقارب 500 مقاتل، ظروفاً سيئة نتيجة نقص الامكانيات العسكرية والمادية واللوجستية، بلا طريق إمداد، بعد انقطاعه عام 2013، وبلا اهتمام من الفصائل الكبرى في الساحة السورية. ويأتي الفارق العسكري الكبير بين "داعش" وفصائل الحي، في ظل إمداد نظام الأسد لـ"داعش" بالذخائر والأسلحة الخفيفة وبعض الصواريخ الموجّهة التي استعملت في معارك سابقة، ليمثّل تفوّقاً للتنظيم يمكّنه من تشكيل تهديد دائم للحي المُنهك في رباط مقاتليه على جبهتين، بخط تماس طويل من الجهات الأربع.



كما تشكّل الهزائم العسكرية للمعارضة في سوريا عامة ودمشق وريفها خاصّة خلال الأعوام الفائتة، وانقطاع الآمال بفك الحصار من الخارج، أي من درعا والقنيطرة، تأثيراً مباشراً على معنويات الشبان المرابطين، ما يفقدهم الرغبة في البقاء في ظلّ ظروف قاهرة، وأفق مغلق، وإحساس باللاجدوى من أي عمل عسكري هجومي، خاصّة في ظل التعامي الدولي عمّا يحصل هذه الأيام في الغوطة الشرقية، والصمت المخزي للدول أمام جرائم الحرب الفظيعة هناك، على مقربة من جنوب دمشق الذي على ما يبدو يتلمّس خطواته القادمة بتأنٍ ودراية، خوفاً من مصير مشابه، قد لا تحتمله المنطقة.

ميدانياً جرى تنفيذ اتفاق "التهجير" بشكل فوضوي، ففي الوقت الذي دخل فيه عناصر من النظام لاستلام خط التماس مع "داعش"، كما تم الاتفاق، شنّ الأخير هجوماً على محاور متعددّة، وفجّر أنفاقاً وبدأ بالاقتحام، ما أدى لتسارع تنفيذ الخطوات التالية، وتعجيل حركة مدنيي وثوار الحي باتجاه نقطة تجمع الحافلات قرب أوتوستراد دمشق–درعا القديم. ردّ النظام بغارات جوية، ما زالت مستمرة حتى اللحظة على أحياء الحجر الأسود ومخيم اليرموك الخاضعة لسيطرة "داعش". واستهدف الطيران مركز الشكاوى المعروف باسم "الأربعة"، وهو معتقل خاص للتنظيم، ما أدى لإصابة مدنيين ومقتل عناصر للتنظيم. كما استهدف "داعش" قطاعات الجيش الحر في منطقة زليخة في حي التضامن برشقات من رشاش ثقيل من عيار 23 ملم، وقصف حي الزاهرة وشارع نسرين في حي التضامن الواقعين تحت سيطرة النظام بقذائف الهاون ما أدى لوقوع إصابات في صفوف المدنيين.

هجوم "داعش" لم يؤدِّ لانهيار الاتفاق، وإنما مكّنه من تحقيق تقدّمٍ ميداني محدود، ورجّح قائد عسكري من فصائل القدم أن يتراجع"داعش" إلى خط التماس السابق قبل هجومه، باتفاق مع النظام الذي انتشر في القسم الأكبر من منطقة المادنية بعد خروج فصائل الحي. وانعكست تطورات الإثنين/الثلاثاء على المدنيين بشكل سلبي، إذ تشهد أحياء المخيم والحجر الأسود موجة نزوح باتجاه بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم المجاورة، نتيجة قصف قوات النظام لها بالقذائف والغارات الجوية. كما تسبب هجوم التنظيم بمقتل مدني من أهالي القدم قنصاً، إضافة الى إصابة عدد من ثوار الحي بجروح.

تهجير القدم هو الخطوة الأولى على طريق إنهاء ملف الجنوب الدمشقي، باتجاه شكلٍ من أشكال "التسوية" و"المصالحة"، في استثمار كبيرٍ لفرط القوة والإجرام في الغوطة الشرقية بدعمٍ كبيرٍ من روسيا وإيران. ورغم المناوشات بين "داعش" والنظام إلّا أن النظام أرسل لـ"داعش" عرضاً بالخروج إلى منطقة حوض اليرموك في الجنوب السوري، ولا يعرف إن كان الطرح مجرّد تخدير إعلامي أو مبادرة حقيقية يمكن تطبيقها. فملف حوض اليرموك شائك جرّاء التداخل الإقليمي والدولي فيه. فيما تناور بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم في ربع الساعة الأخير، من دون قرار حاسم، نتيجة الخلاف بين ممثلي المدنيين والعسكريين في اللجنة السياسية العاملة في المنطقة. ويبقى السؤال هل بقي متسعٌ من الوقت للمماطلة؟ أم أن حالة التداعي قد بدأت؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024