درعا والسويداء.. التحالف الضروري لمواجهة "الجار السيّء"

فادي الداهوك

الثلاثاء 2015/06/02

بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" في المناطق المحاذية لريف السويداء الشرقي مرحلة جديدة من خطّة التوسع التي يسعى إليها باتجاه الجنوب. وإلى الآن، لا تشير التحركات إلى عمل قريب قد يقوم به التنظيم في السويداء، على الرغم من أن حسابات أنصاره على "تويتر" باتت تتحدث بشكل يومي عن المنطقة التي يتعرّفون إليها حديثاً.

يستند الحديث عن نيّة التنظيم مهاجمة السويداء إلى معطيات كثيرة، أبرزها أن منطقة البادية باتت تحت سيطرته بشكل كامل تقريباً، لاسيما حين أنجز السيطرة الكاملة على معبر التنف الحدودي بين سوريا والعراق، وهو موقع متقدّم جداً للتنظيم باتجاه مناطق تمركزه في الشمال الشرقي للسويداء، في مناطق بير قصب، والقصر، وتل أشهيب، وشنوان، ورجم الدولة وتل دكوة، والموقع الأخير هو المكان الأغنى بمقومات الحياة الطبيعية وبعناصر التنظيم والأسلحة.


الهجوم على منطقة مثل السويداء بحاجة إلى قرار مركزي من التنظيم، وتوفر طرق إمداد سريعة. إلى الآن، لا يتوفر شرط الطرق بسبب تحرك قوات التنظيم من البادية إلى الجنوب السوري عبر المجال الصحراوي، كما أن الهجوم على قرية الحقف الدرزية قد لا يكون قراراً مركزياً اتخذه التنظيم، بقدر ما كان قراراً للتجمعات المبايعة له من البدو أو أمراء ذلك القاطع، لكن على جميع الأحوال ينذر هذا التطور بجدّية التنظيم، وقدرته، على فتح طريق له باتجاه السويداء، وصولاً إلى درعا والقنيطرة، وهي مناطق حيوية جداً في الخريطة السورية.


اختيار التنظيم للسويداء كممر باتجاه توسعه في الجنوب مردّه إلى أنّها هدفٌ سهل، فالنظام لا يملك ثقلاً عسكرياً فيها، أو في محيطها، بعد الانهيارات التي شهدتها قواته في المنطقة الجنوبية، وإنما يملك سطوة أمنية، والأخيرة أصبحت مهددة من قبل سكان السويداء أنفسهم، الذين باتوا يمتلكون تشكيلاتهم المحلية المسلحة، وهي أصبحت قادرة على مواجهة تلك السطوة بشراسة، تمكنوا بفعلها من تخليص عدد كبير من المعتقلين الذين كانت تقبض عليهم فروع الأمن من أجل سوقهم إلى الخدمة العسكرية.


تبدو الخيارات محدودة جداً أمام السويداء لمواجهة هذا الخطر، كما أن تحركات سكّانها، مقارنة مع تحركات التنظيم، تبدو بطيئة جداً ويحكمها منطق "دونكيشوتي" يستحضر ماضٍ قديم لا يجاري المعركة وتطورات الزمن، فلا هم المقاتلون الذين كانوا مع سلطان باشا الأطرش أثناء الثورة السورية الكبرى ولا "داعش" عدو واضح مثل الاحتلال الفرنسي. كما أن الانتشار الواسع للدروز في المنطقة، بين الأردن وسوريا وفلسطين ولبنان، لا يعوّل عليه أمام هذا النوع من التهديد لتحسين شرط المواجهة مع التنظيم، فـ"داعش" ليس حركة مسلّحة لها داعمٌ يمدّها بالسلاح يمكن الضغط عليه من خلال علاقات الزعامات الدرزية التقليدية، سياسية أم دينية، من أجل تجنيب السويداء للمعركة. ولهذا، لن يكون أمام دروز السويداء إلا الاندماج مع الثوار في درعا، الذين يُبدون وضوحاً تاماً في عدائهم للتنظيم. وهذه الحقيقة يتنبّه لها "داعش" بصورة لافتة، مع دخوله رسمياً، الثلاثاء، بمعركة في منطقة اللجاة والإعلان عن وجوده في مساحة كبيرة من حزام قرى درعا الشرقية المتاخمة لقرى السويداء الغربية، ما يعني أنّه انتقل الآن إلى مرحلة عزل السويداء عن درعا منعاً لأي مساندة، أو سيناريو تحالف، بين ثوار حوران والسويداء لمواجهته.


بات من الواضح أن التنظيم سيحافظ على حالة من عدم الاستقرار في الجنوب في هذه المرحلة، من خلال بدء تحركات العشائر المبايعة له، وهي عشائر متنقّلة في الولاء، إذ كانت سابقاً على علاقة وثيقة مع النظام في نطاق التجارة والتهريب وعمليات الخطف، وأثبتت التجارب في أرياف حلب وحمص وحماه أن تلك العشائر هي حاضنة قوية للتنظيم، وأصبح التوسع من خلالها سياسة ثابتة عنده، إذ إنها تتقاطع معه في أشياء كثيرة، لاسيما عدم اعتراف الطرفين بمفهوم الدولة والهوية الوطنية.


قوات الجيش الحر في درعا ستقدر على حسم المعركة سريعاً في اللجاة لكن ذلك لن يعني أن المنطقة ستستقر نهائياً. وفي هذه المعركة "جيش اليرموك" التابع للجبهة الجنوبية، هو رأس حربة حالياً، وربما هي فرصة مواتية للتفكير في ملاقاة هذه الخطوة من السويداء، خصوصاً أن للدروز تجربة قريبة مع "جيش اليرموك"، وتحالف "صقور الجنوب" الذي ينضوي جيش اليرموك في صفوفه، عندما قاد معركة السيطرة على بصرى الشام ومنع هجوماً للمتشددين على الجبل، وإذا تحقق ذلك ستكون السويداء ودرعا قد رفضتا جاراً سيّئاً سعى للإقامة بينهما.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024