أميركا ستعيد التوازن السني مع إيران

حسين عبد الحسين

الثلاثاء 2014/09/23

"الحرس الوطني" هي العبارة التي كررها المسؤولون الأميركيون، في أربع مناسبات على مدى الاسبوعين الماضيين، من دون ان تثير اهتماما كبيرا في الاعلام الأميركي أو العربي. وزير الخارجية جون كيري كان أول من أشار الى نية بلاده انشاء قوة عراقية اسمها "الحرس الوطني"، معلنا تخصيص مبلغ 48 مليون دولار لذلك. وجاء اعلان كيري اثناء زيارته بغداد وبعد لقائه رئيس الحكومة حيدر العبادي، في العاشر من الشهر الحالي.

في الولايات المتحدة، لكل واحدة من الولايات الخمسين وحداتها من "الحرس الوطني"، وهذه تختلف عن الجيش الأميركي التابع للحكومة الفيدرالية. "الحرس الوطني" يتبع السلطات المحلية ويأتمر بأوامر حاكم الولاية، الذي غالبا ما يلجأ اليه لمواجهة عواقب كوارث طبيعية او للمساهمة في تثبيت الأمن في حال فشل الشرطة، على غرار ما حدث في مقاطعة فيرغسون الجنوبية قبل أسابيع. ولا سلطة للرئيس الأميركي على "الحرس الوطني" داخليا، الا في شؤون الدفاع الوطني العامة، مثلا عند ارسال هذه القوات الى أفغانستان، تصبح حينذاك تحت امرة أوباما وحكومته.


نموذج "الحرس الوطني" في الولايات المتحدة الفيدرالية هو الذي تسعى واشنطن لاستنساخه في المحافظات السنية غرب وشمال غرب العراق، وربما في مرحلة لاحقة في سوريا فيدرالية تخلف سوريا البعثية المركزية.


ولطالما عارضت إيران هذا النموذج الذي يسمح للسنة بإقامة قوات مسلحة قد تنافس الميليشيات التي انشأتها وترعاها إيران، مثل "حزب الله" في لبنان و"عصائب اهل الحق" في العراق. هكذا، أقفل رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي الباب في وجه القوة السنية التي عرفت بـ"الصحوات"، والتي سلحتها ودربتها ومولتها أميركا، والتي ساعدت الأميركيين على إلحاق الهزيمة بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق".


ولكن إبقاء القبائل العراقية السنية في العراء السياسي أعاد "الدولة الإسلامية" من سوريا الى العراق. هذه المرة، اشترطت واشنطن تدخلها على طهران بتغيير المالكي، الذي أخرج السنة ومقاتليهم العشائريين، بشخصية يمكن ان تقوم بعكس ذلك. وافقت طهران، التي وجدت حلفاءها الشيعة في العراق يقاربون الانهيار، على الشروط الأميركية، وجاء العبادي مع وعود اعادة السنة.


قبل زيارة كيري بيومين، أطل العبادي على "مجلس النواب" العراقي ليمهد الطريق لقيام "الحرس الوطني"، وحاول تصوير الأمر وكأنه تأطير للقوات الشيعية غير الحكومية المنخرطة في القتال ضد داعش، والتي يطلق عليها بعض العراقيين، ومنهم العبادي، تسمية "الحشد الشعبي".


لكن تأطيراً أميركياً لميليشيات إيرانية ليس جزءاً من الخطة الأميركية، وهو ما بدا جليا في خطاب الرئيس باراك أوباما الى الشعب الأميركي، بعد زيارة كيري إلى بغداد بساعات، وقال فيه: "سندعم المجهود العراقي في إقامة وحدات من الحرس الوطني لمساعدة المجتمع السني على ضمان حريته في وجه سيطرة داعش".


إذاً، "الحرس الوطني"، الذي ستقيمه أميركا في العراق، سني، ما أثار حنق إيران، التي كسر مسؤولوها علنا التنسيق السري مع الأميركيين. وبعد قرابة الشهرين من الغارات الأميركية، استفاق بعض العراقيين على الخروج الى الشارع للتعبير عن رفضهم "التدخل الأميركي"، فيما في الواقع الرفض الإيراني – العراقي هو ليس ضد ضرب أميركا لداعش، بل ضد خطة أميركا استبدال داعش بقوة سنية معتدلة بدلا من ضرب داعش وتفويض القوات الشيعية استعادة السيطرة على المناطق السنية.


بعد أسبوع على تصريحات كيري وخطاب أوباما، أطل رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي في جلسة استماع امام "لجنة القوات المسلحة" في مجلس الشيوخ. وبكثير من التفصيل والصراحة، قال ديمبسي إن الخطة الأميركية تقضي بإبعاد مقاتلي العشائر العراقية عن داعش، ومساندتهم للقضاء عليها، وانه في حال فشل هذه الخطة، "نعود مجددا الى اللوح كي نرسم" خطة بديلة.


كذلك تحدث ديمبسي عن نية أميركا مساعدة مقاتلي العشائر السنية في إقامة وحدات من "الحرس الوطني"، وقال ان العشائر أبدت نيتها المشاركة في هذا المشروع، وأنه فيما كان المالكي رافضا له، يبدو أن العبادي موافقاً.


أما الفارق بين "الصحوات" و"الحرس الوطني" فيكمن في أن الصحوات كان مقررا ان تتحول الى جزء من الجيش النظامي والقوى الأمنية الفيدرالية العراقية، وهي تجربة لم تنجح، فيما "الحرس الوطني" سيكون تابعا للسلطات المحلية للمحافظات السنية الثلاث، على غرار البيشمركة الكردية التابعة لحكومة كردستان المحلية.


وفي التفكير الأميركي، ان لا جدوى من تدريب القوات الفيدرالية العراقية، التي انهارت امام داعش خلال ساعات في الموصل في 8 حزيران الماضي، وأن الحل الأنسب هو تدريب قوات محلية لأن هذه وحدها يمكنها ان تدافع عن أرضها وقراها ومدنها في وجه عودة داعش.


وكما في العراق، كذلك في سوريا، سيتم تحويل فصائل المعارضة المسلحة الى قوة مقاتلة يمكنها دحر داعش والحفاظ على مناطقها من عودته او عودة قوات الأسد. هذا الجيش السوري المحلي الجديد يمكنه ان يساهم في تثبيت الوضع في مرحلة ما بعد الأسد، حسب الجنرال الأميركي.


وبعد ديمبسي بيومين، أطل كيري في جلسة استماع امام "لجنة الشؤون الخارجية" في مجلس الشيوخ، وكرر الحديث عن استعداد سنة العراق للانخراط في مشروع اميركا لإقامة "حرس وطني" لهم.


هكذا، بعد أن ينجلي غبار المعارك وترحل داعش، سيحل مكانها قوة سنية معتدلة تأتمر بأمر مدنيين، في حكومات العراق المحلية أو في المعارضة السورية في المنفى. ربما يساهم ذلك في تعديل ميزان القوى الإقليمي الذي اختل بسبب اطاحة أميركا لنظامين سنيين في العراق وأفغانستان كان يقفان في وجه إيران الشيعية، او هكذا على الأقل يعتقد المسؤولون الاميركيون اليوم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024