ديرالزور: بداية نهاية القوة الروسية؟

عروة خليفة

الأربعاء 2017/10/04
يبدو المشهد شرقي سوريا، وكأن سباقاً يجري بين "قوات سوريا الديموقراطية" وقوات النظام باتجاه محافظة ديرالزور التي يتراجع فيها تنظيم "داعش" أسرع من المتوقع. وكان الهدف الأساسي لـ"قسد" هو السيطرة على شرقي نهر الفرات في المحافظة، حيث يقع عدد من أهم حقول النفط والغاز في سوريا، واستطاعت التقدم نحو حقل "كونيكو" شمالي مدينة ديرالزور والسيطرة عليه، فيما معاركها مع التنظيم شمالاً في الصور لم تنتهِ بعد. أما النظام، فقد حاول بدعم لوجستي وعسكري روسي من التقدم بسرعة نحو الضفة الشرقية لنهر الفرات في محاولة لقطع الطريق على "قسد"، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية اكتمال إنشاء جسر عائم يصل ضفتي نهر الفرات جنوبي مدينة ديرالزور.

الأجواء المتوترة بين روسيا والولايات المتحدة وحلفائهما على الأرض في المحافظة، جعلت من معركة ديرالزور، مسألة تجاوزت المكاسب الاقتصادية التي تعطيها السيطرة على حقول النفط والغاز، وأصبحت لعبة كسر عظم بين الولايات المتحدة وروسيا، لإظهار السيطرة والتحكم بمجريات وتطورات الأحداث شرقي سوريا. وأصبحت السيطرة على ديرالزور رمزاً لقدرة كل من واشنطن وموسكو على رسم حدود التحرك للطرف الآخر. لكن في الواقع ونتيجة هذا التسرع من الطرفين أصبحت هذه المكاسب العسكرية السريعة على حساب تنظيم داعش، عبئاً أكثر منه انتصاراً.

فقد استطاع التنظيم الالتفاف على قوات النظام انطلاقاً من البادية الجنوبية للمحافظة، وسيطر بسرعة على منطقة الشولا التي تعتبر عقدة المواصلات الرئيسية لمدينة ديرالزور، ومن ثم حاصر بلدة السخنة من ثلاثة اتجاهات. قوات النظام التي تباهت بانتشارها في البادية في منطقة حميمة جنوبي ديرالزور وعلى مقربة من الحدود العراقية، باتت غير قادرة على تأمين ظهر القوات المتقدمة من السخنة. وتعرضت قوات النظام في حميمة لعمليات استهداف واسعة جعلتها غير قادرة على الثبات في موقع واحد. الاستعجال والتقدم نحو مدينة ديرالزور للحصول على انتصار معنوي، كلّف قوات النظام انهياراً وحصاراً للسخنة، لتصل قوات "داعش" المتقدمة عبر البادية إلى عمق خطير بالنسبة للنظام، وتسيطر مجدداً على بلدة القريتين، في ريف حمص.

طرد تنظيم "داعش" من منطقة هو شيء، والحفاظ عليها شيء آخر. وتكفي نظرة إلى تاريخ المعارك ضد التنظيم في مدينة تدمر، لايضاح استراتيجية "داعش".

التطورات في ديرالزور لم تكن وحدها صاحبة الأثر على صورة القوات الروسية في سوريا، والتي غيرت المعادلة العسكرية لصالح النظام منذ سيطرته على مدينة حلب نهاية العام 2016. فمعركة ريف حماة، وتعرض جنود روس للحصار لساعات من قبل قوات تابعة للمعارضة هناك، وعدم قدرة روسيا على دفع خطوط الجبهات إلى عمق مناطق المعارضة، كما كان متوقعاً منها، بالمقارنة مع المعركة التي سبقتها، كانت مؤشرات على تراجع قدرة روسيا في التحرك وتقرير شكل الخريطة العسكرية.

الدعم الروسي لقوات النظام وصل إلى حد قد لا يستطيع من بعده الحفاظ على كل المكتسبات العسكرية التي حققها خلال العام الماضي. فالعجز الواضح في القوة البشرية لقوات النظام، بات يضطرها لنقل القوات ذاتها من معركة إلى أخرى، من دون القدرة على ترك قوات قادرة على الدفاع عن الخطوط الخلفية. زيادة عدد القتلى الروس في المعارك، من المرتزقة والقوات النظامية بمن فيهم كبار الضباط، يشير للمرة الأولى إلى حجم التعويض الذي تمارسه القوات الروسية للتغطية على العجز البشري في قوات النظام وحلفاءها. تسرُّع روسيا لتحقيق نصر في مدينة ديرالزور، يبدو أنه بات يقودها إلى طور تراجع بعد ذروة تفوقها العسكري في سوريا.

عند بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 توقعت تحليلات اقتصادية أن موسكو لا تملك القدرة الاقتصادية والمالية للاستمرار في سوريا لأكثر من أربعة أشهر. ربما كانت هذه التوقعات مبالغة في التفاؤل، لكن بالتأكيد إن روسيا اليوم بعد عامين من التدخل العسكري الواسع في سوريا واضطرارها لنشر قوات في الميدان لتغطية النقص في قوات النظام وقلة خبرة الأخيرة في العمليات، سيكون له أثر واضح على قدرة موسكو بالاستمرار في دعمها الواسع لقوات النظام. وربما لكانت موسكو قد حققت إنجازاً يثبت مكانتها في سوريا، لو استطاعت السيطرة على المواقع الاستراتيجية في ديرالزور، لكن قوات النظام انهارت أمام ضربات التنظيم الذي وصل بعناصره من شرق سوريا إلى وسطها وسيطر على القريتين في ريف حمص. وهذا مؤشر مهم على ما تستطيع موسكو فعله في سوريا مستقبلاً. فالقوة الدولية التي تحافظ بالكاد على خطوطها في ريف حماة، وتستهدف بدلاً عن قوات المعارضة المشافي ومراكز الدفاع المدني، هي قوة تعرضت لهزة كبيرة، لم تسببها خسائر عسكرية فادحة، بل على العكس من ذلك؛ تسببت بها الانتصارات التي يبدو أنها أنهكت موسكو أخيراً على بوابة سوريا الشرقية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024