خطة إخلاء ماسبيرو.. لا مكان للفقراء في القاهرة

محمد عبدالمعطي المحمد

الأحد 2017/03/19

يبدو نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عازماً على تهجير أهالي منطقة ماسبيرو المطلة على ميدان التحرير، وتمليكها للشركات العقارية وكبار المستثمرين الذين يطلقون عليها تسمية "سرة القاهرة"، على الرغم من رفض الأهالي مغادرتها.

وتربط المنطقة بحكم موقعها الفريد بين أهم المحاور والشوارع المرورية الرئيسية في القاهرة، وبينها جسرا 6 أكتوبر، و15 مايو، بالإضافة إلى شوارع الجلاء وكورنيش النيل و26 يوليو، وهو ما يزيد من طمع المستثمرين فيها.

ووضع المستثمرون العقاريون خططاً لماسبيرو بعد تهجير سكانها وإخلائها، تتمثل في إقامة مشروعات الإسكان المتميز والأنشطة السياحية والترفيهية، وصالات عرض سينمائي ومتاحف، ومكاتب إدارية وخدمية، وكراجات وأماكن انتظار للسيارات.

ويبدو المشهد مربكاً في ماسبيرو، فنقاط التماس مع كورنيش النيل تضم العديد من المباني الإدارية والحكومية والاستثمارية الفاخرة، كمبنى وزارة الخارجية المصرية، ومبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وبرجي البنك الأهلي الحكومي، والعديد من فروع شبكات الفنادق العالمية، والمولات التجارية، إلا أن شوارعها الداخلية لا تصلح حتى لأن تكون حارات، لضيقها الشديد، والتكدس السكاني المزعج لقاطنيها، الذين يحترف أغلبهم مهناً بسيطة كالعمل في الورش الميكانيكية والأعمال اليدوية، والشريحة الدنيا من الوظائف الحكومية.

 الموقع المتميز لماسبيرو جعل المنطقة شاهدة على وقائع الثورة المصرية 2011، وأبرزها موقعة الجمل، التي حاول فيها عناصر بلطجية تابعين للرئيس الأسبق حسني مبارك، دخول ميدان التحرير، كما شهدت المنطقة أول صدام بين الأقباط والجيش المصري في مذبحة ماسبيرو في أكتوبر/تشرين 2011، والتي جاءت عقب تظاهرات نظمها الأقباط احتجاجاً على هدم كنيسة غير مرخصة في أسوان، تحولت إلى مواجهة بين المتظاهرين وقوات الشرطة العسكرية، وخلفت بين 24-35 قتيلاً من الأقباط، وعدداً من مجندي الجيش. كما شهدت المنطقة صداماً بين قوات الأمن والبلطجية من جهة، والمتظاهرون الرافضون لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013، خلف أيضاً عدداً من القتلى والمصابين بين الطرفين.

احتجاجات أهالي ماسبيرو على مخططات نقلهم من أماكنهم في قلب القاهرة، وإعادة توطينهم مرة أخرى في المدن الجديدة، أحبطت كل مخططات التهجير والنقل السابقة لهم منذ أيام مبارك، إلا أن النظام الحالي يبدو كأنه يمتلك حظوظاً كبيرة في نجاح مسعاه نتيجة للظروف التي تمر بها مصر وتسمح له بتحقيق رغبات كثيرة من دون أن يأبه برفض الأهالي أو احتجاجاتهم.

المشروع الحكومي الجديد طرح على سكان ماسبيرو عدداً من البدائل للمفاضلة والاختيار بينها، أولها الحصول على وحدة سكنية بالإيجار الشهري، بمبلغ يتراوح بين ألف وألفي جنيه مصري (نحو 50-100 دولار أميركي)، أو الحصول على شقة بنظام "الإيجار التمليكي" وهو عقد إيجار لمدة 30 عاماً، ينتهي بتملك الشقة، بعد دفع إيجار شهري 2700 جنيه (نحو 140 دولار)، والبديل الثالث تعويض الساكن بمبلغ 100 ألف جنيه (5 آلاف دولار) للغرفة الواحدة، ويقل المبلغ كلما زاد عدد الغرف، ليصبح 280 ألف جنيه (14 ألف دولار) للسكن المؤلف من 4 غرف، والبديل الخامس التعويض بوحدة سكنية في "مدينة الأسمرات" النائية على أن يدفع الساكن 300 جنيه إيجاراً شهرياً لمدة 30 سنة بزيادة 5 في المئة سنوياً.

اللافت أن المبالغ المالية التي وضعتها الحكومة في مشروعها الجديد تتخطى القدرة المالية لسكان ماسبيرو، فمعظم سكان المنطقة يقل إجمالي دخلهم بالنظر لامتهانهم حرفاً وأعمالاً يدوية بسيطة عن المبالغ التي حددها المشروع كقيم إيجارية، كما أن البديل الآخر، وهو الانتقال لمدينة الأسمرات، يبدو أشد صعوبة عليهم، بالنظر إلى موقع الأسمرات النائي على أطراف العاصمة، وصعوبة توفير مصادر الرزق المتوفرة لهم حالياً في ماسبيرو، بالإضافة إلى تكلفة المواصلات العالية في حال الانتقال اليومي من وإلى الأسمرات، التي تعتبر منطقة شبه معزولة.

فشل الاجتماعات الحكومية المتتالية مع سكان ماسبيرو لإقناعهم بالموافقة والاختيار بين البدائل المعروضة عليهم، والإصرار الحكومي على نقلهم، وتخييرهم بين خيارات أحلاها مر، سواء بالتهجير الذاتي، أو التعويضات المادية غير المجزية للمتضررين من المشروع الجديد، رفع منسوب القلق لدى سكان المنطقة خوفاً من فرض سيناريو التهجير القسري عليهم، إذ يبدو أن الحكومة الحالية عازمة على المضي قدماً بتنفيذ مخططها وإخلاء المنطقة وتسليمها لكبار المستثمرين، لإخلاء قلب القاهرة من سكانه الفقراء، وهو ما يبدو أنه توجه السيسي بأن دولة يحكمها لا مكان فيها للفقراء.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024