هل أفشلت تركيا مؤتمر آستانة؟

عبد القادر عبد اللي

الخميس 2017/02/16
بعيد مؤتمر آستانة الذي ضم وفدين أحدهما يمثل النظام السوري، والآخر المعارضة المسلحة، وانعقد في العاصمة الكازخستانية في 23 كانون الثاني/يناير، تصدى الناطقون باسم الخارجية التركية للانتقادات الموجهة إلى المؤتمر، ودافعوا عنه دفاعاً بدا غريباً، وكأنهم هم أصحابه، ورعاته.

منبع الغرابة قبل كل شيء هو اعتبار كل من روسيا وإيران وتركيا، ضامنين، لتطبيق "وقف إطلاق النار الشامل" في سوريا. وهذه العبارة بحد ذاتها نكتة، فكيف لتركيا التي تريد الأطراف المؤيدة للنظام السوري كلها وعلى رأسها إيران استبعادها عن القضية السورية أن تكون ضامنة؟ وهل لديها قوات على الأرض غير تلك التي تقدم الدعم لـ"بقايا" الجيش السوري الحر ضمن عملية "درع الفرات" وقد تعثرت أعمالها في الفترة الأخيرة؟ وغير هذا فإن هذه القوات غير مشمولة أساساً بـ"وقف إطلاق النار" لأنها تقاتل عناصر "داعش". وأقصى ما تستطيع فعله تركيا هو الضغط على المجموعات المسلحة التي يصلها الدعم عن طريقها من أجل الالتزام بـ"وقف إطلاق النار". بمعنى آخر، هي تستطيع أن تقول للضعيف متْ كي لا تخرب "وقف إطلاق النار".

عندما نقارن الموقف الروسي/الإيراني بالموقف التركي نجد أن روسيا وإيران حظيتا بموقع القاضي والجلاد في القضية السورية، فهما أيضاً ضامنتان، ولكن قواتٍ جرارةً وأسلحة فتاكة بين يديهما تُجرِّبان استخدام بعضها أول مرة على أحياء سكنية وتجمعات بشرية في الأسواق والمشافي والمخابز. هذا الوضع أثار شكوكاً كثيرة حول حقيقة الموقف التركي من اتفاق "وقف إطلاق النار" المعلن في سوريا والذي لم يصمد ولو ساعة، ولكن مازال يقال إنه مستمر.

يبدو أن مؤتمر آستانة الثاني جلى بعض الغموض، وأظهر بعض ما هو مخفي. على الرغم من كونه يحمل بعض الغموض، فهناك فصائل لم يحدد أحد بعد عددها قررت تعليق مشاركتها في المؤتمر كرد فعل على عدم التزام النظام السوري والقوى الحليفة له بـ"وقف إطلاق النار"، وإدراج اسم "جبهة النصرة" في أي مكان تشن الطائرات السورية أو الروسية غارات عليه. ويروج ناشطون بعض أسماء هذه الفصائل على أنها "صقور الشام"، و"فيلق الشام"...

المعروف أن غالبية الفصائل التي شاركت في مؤتمر آستانة الأول محسوبة على الطرف التركي، وحتى إن هناك من ذهب إلى القول إن تركيا هي التي شكلت الوفد السوري من المعارضة المسلحة. وذكرت بعض وسائل الإعلام ومنها "بي بي سي" أن عدد الفصائل التي قررت تعليق مشاركتها في آستانة الثاني بلغ عشرة فصائل، من دون ذكرها، وهذا يعني بأن الغالبية التي علقت مشاركتها محسوبة على الجانب التركي.

لهذا الأمر معنيان: الأول؛ أن الأتراك شعروا بقلة حيلتهم في الموضوع، وأن المثل العربي القائل: "طلعوا من المولد بلا حمّص" ينطبق عليهم، فأقدموا على هذه المناورة من أجل تحسين وضعيتهم في المفاوضات.

الثاني: القصف الروسي لموقع تركي قرب مدينة الباب السورية راح فيه ضحايا وجرحى كان رسالة مبكرة محسوبة روسياً تزامنت مع زيارة رئيس المخابرات الأميركية إلى تركيا في أول زيارة خارجية له، ولا بد أن هذا قد حمل بعض الرسائل من الإدارة الجديدة. ولكن هل ينطلي الأمر على الأتراك بعد تجربة مريرة مع الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما؟

الملاحظ أن نبرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد علت ثانية بعد مقابلته رئيس المخابرات الأميركية، وأعاد إلى الطرح قضية تحرير الرقة ثانية، وعدم إمكانية تحقيق أي نجاح على هذا الصعيد من دون مشاركة تركية فعلية في عملية التحرير.

بالطبع لا يمكن أخذ تصريحات الرئيس التركي وحدها مؤشراً وضامناً لظروف أفضل بالنسبة إلى الموقف التركي من القضية السورية، لأن الأميركان كثيراً ما قدموا له الوعود، ثم عادوا عنها، وخذلوه، ولم يقدموا ولو جزءاً بسيطاً من الدعم الذي وعدوا به للجيش السوري الحر ما أدى إلى تصفيته على يد المتشددين دينياً. لكن توقف العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية هناك، وفتح الموضوع من جديد على طاولة البحث بين الأميركان والأتراك يحمِّل الموضوع جدية أكبر.

لقد كان مؤتمر آستانة الأول بين ممثلي المعارضة السورية المسلحة والنظام السوري هزيمة بكل ما تعنيه الكلمة بالنسبة إلى الأتراك، فحتى "وقف إطلاق النار" تحت ستار إنساني ومسميات مزركشة مثل "حقن دماء الأبرياء" لم يتحقق، وليس هناك أي أفق لتحقيقه بالنسبة إلى الأتراك، فأين تلك الدماء التي حُقنت؟

جاء مؤتمر آستانة الثاني المنعقد بين الأطراف السورية باهتاً، حتى يمكن القول إنه غاب عن الإعلام التركي المحلي نهائياً على عكس ما كان عليه المؤتمر الأول الذي حظي باحتفاء كبير، وشَابَهُ كثيرٌ من الادعاءات الكبرى.

يمكن القول إن مؤتمر آستانة قد فشل قبل أن ينعقد، وبدأت الأنظار تتوجه إلى جنيف، فهل حصل الأتراك على ما هو جديد في الملف السوري يمكن أن يحققوه في جنيف؟

من الصعب القول إنهم حصلوا، ومن الصعب الاعتماد على تصريحات ترامب حول المناطق الآمنة في سوريا، لأن هذا الطرح سيصطدم بعائق حماية حزب "الاتحاد الديموقراطي" الذي تعتبر الولايات المتحدة الأميركية نفسها مكلفة به، فهل يمكن للأتراك الحصول على حد أدنى من الضمانات في هذا الموضوع؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024