أوباما يرجىء الحل في سوريا الى ما بعد رئاسته

فادي الداهوك

السبت 2015/05/16

أخيراً، الرئيس الأميركي باراك أوباما، يعترف أن لا حل في سوريا خلال ولايته الرئاسية، وفي هذا الاعتراف موقف صريح من الثورة السورية أضمره أوباما 4 سنوات، لكن المفاجأة كانت في المناسبة التي أعلن فيها هذا الموقف، إذ جاء بعد اجتماعه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في كامب دايفيد، الذي كان يُعتقد أن أوباما سيقدم فيه عرض شراكة للقادة الخليجيين في حلّ ملفات المنطقة الملحّة، بقدر مسألة برنامج إيران النووي، ولاسيما في سوريا.

هذه الصراحة التي تجلت بشكل غير مسبوق في كلام أوباما، بددت كثيراً من الآمال والتحليلات عن انعكاسات قمة كامب دايفيد على الأوضاع الميدانية في سوريا. بطبيعة الحال لم يكن متوقعاً من أوباما موقفٌ ينهي المعضلة السورية تماماً، إلا أن آمالاً وتوقعات كثيرة لبعض السيناريوهات التي يمكن أن يتم التوصل إليها بين القادة الخليجيين والرئيس الأميركي، كانت تعتمد على هذه القمة كأساس لها، وعلى سبيل المثال فك حظر وصول مضادات الطائرات إلى المقاتلين الذين تعرفهم واشنطن جيداً في الجيش السوري الحر وتتواصل معهم من دون وسيط، خصوصاً في الجنوب، وفي ذلك معيار لنجاح القمة، انطلاقاً من قاعدة أن مصداقية أي موقف لأوباما يتم احتسابها من موقفه من سوريا، يقيناً في أن أي التزامات أميركية خارج الميدان السوري، الذي تمتلك فيه إيران النفوذ الأوسع، والأخطر حالياً، لا يبنى عليها كثيراً. فالأزمة اليمنية أظهرت أن دول الخليج بإمكانها التعامل معها منفردة، وفعلت ذلك بعملية "عاصفة الحزم"، لكن الوضع في سوريا مختلف نظراً لوجود لاعبين إقليميين كثر تتقاطع مصالحهم مع الدول الخليجية كثيراً، لكن ليس إلى درجة أن يشكل ذلك موقفاً، أو رؤية موحدة للخطوة الأمثل في مواجهة نظام الأسد.


في القمة الأميركية–الخليجية، كان أوباما يحاول التهرب من الحديث عن سوريا في كلمته التي ألقاها عقب مغادرة الوفود للمنتجع الرئاسي، إلى أن جاء المؤتمر الصحافي الذي عقده عقب اختتمام المحادثات. وفيه، أظهر أوباما موقفاً متناقضاً مع مضمون البيان الختامي للقمة، ففي حين استبعد البيان، الأسد، من مستقبل سوريا، لم يفعل أوباما ذلك، وتطرق الرئيس الأميركي إلى مصيره فقط حين بدأ الصحافيون بطرح أسئلتهم عليه، وكانت المفاجأة في الشق الذي يتعلق بمسألة السلاح الكيماوي، عندما اعتبر أوباما في إجاباته أن الأهم بالنسبة إلى واشنطن كان التأكد من تخلص الأسد من ترسانته الكيماوي. وحين سؤال عن غاز الكلور، الذي استثني من قائمة المواد التي يجب على نظام الأسد تسليمها، وازدادت التقارير التي تؤكد استخدامه بدرجات تجعله في مصاف المواد الكيماوية مؤخراً، قال أوباما إن "الكلور في حد ذاته ليس سلاحاً كيماوياً"، لكنّه استدرك وقال إنه في حال ثبت ذلك، فإن بلاده ستمارس الضغط مجدداً على حلفاء النظام من أجل وضع حد لذلك، وكان يقصد روسيا.


إن كان الرئيس الأميركي قد قدّم أجوبة ارتجالية عن سوريا في المؤتمر الصحافي، أوقعته في تناقضات مع بيان القمة الختامي، وهو يجيد ذلك وكان يضطر وزير الخارجية جون كيري إلى عقد مؤتمرات صحافية لشرح مقاصده، فإنه في مقابلة قناة "العربية" أمس بدا أكثر وضوحا، وجرأة، في قول موقفه من سوريا.

"الأسد تخلص من أسلحته الكيمياوية ولهذا لم نقصفه" أجاب أوباما على سؤال "العربية"، وهذا الجواب جاء تكراراً لجوابه على سؤال أحد الصحافيين له في كامب دايفيد حول التردد الدائم في ضرب النظام السوري، لكن لهذا الجواب تكملة، ليس لدى أوباما القدرة على قولها، لكن لدى الجميع قدرة على اكتشافها وهي أن كل ما يقوم به الأسد بعد تسليمه للكيماوي هو شأن داخلي سوري.

هذا الاسترخاء الذي ظهر فيه أوباما خلال مقابلته، دفعه للإسهاب أكثر في ما كان يضمره منذ سنوات حول سوريا، فشرح أنه غير متحمّسٍ لخوض عملية التخلص من الأسد وحيداً، بل ضمن "تحالف دولي"، وهو يعلم تماماً أن هذا التحالف لن يلتئم بوجود الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن، لكن حتى وإن بلغت موسكو وبكين مرحلة اليقين في أن الأسد ديكتاتور استُهلك ولا حكمة في مساندته أكثر، فهذا لا يعني أن التخلص منه سيكون خارج إطار "الحل السياسي"، لأن الموقف في سوريا، بحسب أوباما، "معقدٌ للغاية ولا يوجد حل قريب". ربما، لو ألحت المحاورة عليه وسألته متى؟ لأجاب بعد نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أي عندما تنتهي ولايته الرئاسية.

لعل أفضل ما جنته سوريا من الولايات المتحدة، قدمّه لها الدستور الأميركي، الذي لا يسمح للرئيس بالترشح لثلاث ولايات رئاسية، فصانع البراميل المتفجرة، لو سمح لأوباما بالبحث عن بذرة صالحة فيه، ربما سيجدها في يوم ما!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024