"جيش المهاجرين والأنصار" يعزل أميره العام

جلال زين الدين

الأربعاء 2015/06/24
أصدر مجلس شورى "جيش المهاجرين والأنصار"، سلسلة قرارات توحي بأنّ تغييراً قد يطرأ على عمله وسياسته؛ حيث تمّ عزل الأمير العام صلاح الدين الشيشاني وتعيين أبي إبراهيم الخرساني مكانه، كما نصَّ القرار على عزل الأمير العسكري عبد الكريم الأوكراني وتعيين عمر الداغستاني.

وبدا غريباً أن العزل جاء بموافقة غالبية أعضاء مجلس الشورى، رغم ما عرف بين أوساط "المجاهدين والثوار" من سمعة جيدة لصلاح الدين. حيث قال مرافق "جيش الفتح" وصاحب "مبادرة الأمة" لوقف الاقتتال بين الفصائل المعارضة، الداعية السعودي عبدالله المحيسني، عن صلاح الدين: "شهادتي فيه أنه بطل مقدام محب للخير، قليل الكلام، ولم يكن المأخذ عليه مأخذاً شرعياً –فيما أعلم- فهو رجل مجاهد قائد وقّاف عند شرع الله كذا أحسبه، والله حسيبه". كما مدحته اللجنة القضائية التي احتكم لها الطرفان: "تؤكد اللجنة القضائية أنّ صلاح الدين الشيشاني بريء مما نسب إليه من أنّه لا يطبق شرع الله، وقد لمست اللجنة حرصه على تطبيق شرع الله في كل ما حصل بينه والأطراف الأخرى".

ورغم ذلك أقرت اللجنة عزل صلاح الدين، قائلة: "القرار الذي صدر من قبل مجلس الشورى بعزل الأمير صلاح الدين قرار صحيح، فقد صدر من سلطة لها حق العزل، وقد امتنعت اللجنة عن النظر في موجبات العزل".

وصلاح الدين كان قد عُيّن أميراً عاماً لـ"جيش المهاجرين" عقب مبايعة أميره السابق عمر الشيشاني، لتنظيم "الدولة الإسلامية" مع ما يقارب نصف "جيش المهاجرين"، بحسب نائب الأمير العام للجيش، الشيخ السعودي المعتصم بالله.

وقد ظهرت مجموعة المهاجرين للنور منذ بداية العمل المسلح في حلب، في شهر تموز/يوليو 2012، وكان لها مقر للتدريب بقرية شمارق في الشمال السوري، وبرزت فعاليتها في معارك حلب الأولى في حيي صلاح الدين وسيف الدولة، واستشهد بعدها أميرها الأول أبو البراء الشيشاني في ريف إدلب، الذي كان له ومجموعته دور ملموس في بداية تحرير حلب.

وساهم "جيش المهاجرين" لاحقاً في كل المعارك المفصلية في حلب، كمعركة دوار الجندول في نيسان/ابريل 2013، التي غنم فيها جيش المهاجرين كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، واستقطب بعدها عدداً كبيراً من المقاتلين، وشارك في معارك الشقيف وحندرات وجمعية الزهراء "المخابرات الجوية" وخان طومان واقتحام مطار منغ. وكان لجيش المهاجرين دور في معارك حندرات وباشكوي الأخيرة، ويشارك غالباً إلى جانب "جبهة النصرة". يقول أحد مقاتلي "الجيش الحر": "لا تخلو عملية اقتحام تقريباً من مشاركة جيش المهاجرين بها حيث يمتلك مقاتلوه شجاعة وبراعة لافتة في عمليات الاقتحام".

ورفض صلاح الدين، ومعظم مقاتلي "جيش المهاجرين والأنصار" مبايعة تنظيم "الدولة" كما فعل عمر الشيشاني، وعدد من عناصر الجيش، لأنهم رأوا أن ذلك يتنافى مع أدبياتهم السياسية "في عدم التدخل باختيار حاكم البلاد التي يقاتل فيها القوقازيون الذين يغادرون بلادهم"، وذلك رغم أنهم يسعون لإقامة خلافة إسلامية، كما تقول صفحتهم في "تويتر"، فالجيش "مكون من اتحاد مجموعة من الكتائب الإسلامية المجاهدة في سوريا، تحت قيادة موحدة للمشاركة في نصرة الشعب السوري، وإقامة دولة الخلافة".

وحاول صلاح الدين، قبل شهور القيام بدور الوسيط بين الثوار والفصائل الإسلامية من جهة، وبين تنظيم "الدولة الإسلامية" من جهة ثانية، لإنهاء ما سماه "فتنة يجب اعتزالها". يقول قيادي في "أحرار الشام": "زار صلاح الدين مناطق التنظيم، والتقى عمر الشيشاني أميره السابق، وعرض صلاح الدين عليه وقف القتال، ووقوف كل طرف عند حدوده الحالية لكن عمر الشيشاني رفض، وعرض عليه بالمقابل مبايعة البغدادي، لكنَّ صلاح الدين رفض العرض".

وكانت بيعة المهاجرين الأصلية لأبي محمد الداغستاني، أمير "إمارة القوقاز الإسلامية"، إذ إنّ معظم مقاتلي جيش المهاجرين من الشيشان وداغستان وأوسيتا الشمالية وأوزبكستان، وهذا ما يفسر استخدام اللغة الروسية في بياناتهم، ويُعتقد أنَّ قرار العزل تمَّ بعد الرجوع للأمير بداغستان.

وأخذ الجيش تسمية "جيش المهاجرين والأنصار" بعد انضمام أعداد من المقاتلين السوريين له، وعقب وحدته غير الاندماجية مع "جيش محمد" بقيادة أبو عبيد المصري، قبل أن ينفصلا لاحقاً عقب القتال بين الثوار وتنظيم "الدولة". فـ"جيش محمد" اعتزل القتال ضد تنظيم "الدولة" نهائياً، وتوجه إلى الساحل، للابتعاد عن الفتنة. في حين، لم يقاتل "جيش المهاجرين والأنصار" تنظيم "الدولة" واكتفى باصدار بيان ضده.

ويذهب البعض للقول إنّ القرارات الأخيرة تأتي ضمن سلسلة الانشقاقات والتحالفات التي عصفت بـ"جيش المهاجرين"، وسبب العزل الحقيقي يخالف الظاهر؛ حيث جاء عزل صلاح الدين، بعد أن رفض عزل عبد الكريم الأوكراني، وتستّر عليه، وهو المتهم بعدم تطبيقه للشريعة الإسلاميّة، واستهتاره بالقضاء الشرعي، في عدد من القضايا، فضلاً عن اتهامه بالخطف.

ويؤكد آخرون، أنَّ تياراً قوياً داخل "جيش المهاجرين" يؤيد الانضمام لـ"جبهة النصرة" أو التنسيق معها على مستوى رفيع، في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو ما رفضه صلاح الدين، الذي التزم الحياد. وتعزّزَ التوجهُ لقتال التنظيم عقب انتقال "حركة الفجر الإسلامية" حليفة "جيش المهاجرين والأنصار" في "جبهة أنصار الدين" لانتقاد التنظيم، والاستعداد لقتاله.

ويتحدث البعض عن خشية مجلس شورى "جيش المجاهدين" من انشقاقات جديدة داخله، سببها عيسى عمروف الملقب بـ"أبو علي الشيشاني" والمشهور بفتاويه المتطرفة كـ"قتل المصلحة"، ويُتهم صلاح الدين بتبعيته لعيسى عمروف، القريب بنهجه من تنظيم "الدولة". وقتل المصلحة هو قتل شخص بريء يشكل خطراً على مصلحة التنظيم، وهي فتوى مغلوطة وقياس خاطئ، بل هي عند أهل العلم الشرعي جريمة قتل للنفس البشرية من دون وجه حق.

ويتوقع نتيجة حركة العزل والتعيين الجديدة، أن يبتعد "جيش المهاجرين والأنصار" خطوة عن حياده السابق، ويقترب من "النصرة" التي تشاركه التوجه الجهادي السلفي ذاته. ويأتي قرار اللجنة القضائية بإلزام "صلاح الدين ومن معه بتأمين مقر لهم خارج ريف حلب الشمالي، درءاً للفتنة وحقناً لدماء المجاهدين"، مؤشراً على التوجه الجديد للقيادة الجديدة. ومعلوم أنّ "جيش المهاجرين" يتمركز في ريف حلب الشمالي في حريتان وكفر حمرة ومعارة الأرتيق ومنطقة معمل آسيا للأدوية، وكلها في ريف حلب الشمالي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024