حصة إسرائيل من البيض السوري نفدت

فادي الداهوك

الجمعة 2017/03/10

قبل ساعات من وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، نفى الكرملين أنباء سربها مكتب نتنياهو لوسائل الإعلام  حول موافقة روسيا على غارات إسرائيلية لضرب حزب الله من الأجواء السورية. هذا النفي الذي استخدم فيه المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف وصف "مزاعم"، يمكن قراءته على أنه توبيخ روسي لإسرائيل، ورسم لحدود الملفات التي يمكن أن يقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحثها مع نتنياهو.

والمغادرة الصامتة لنتنياهو من الكرملين وعدم الإدلاء بتصريحات أو عقد مؤتمر صحافي، تشي بأن شيئاً لم يجرِ على ما يرام، كما تكشف أن ملفات عالقة ما تزال من غير اتفاق واضح بين الجانبين، لاسيما في ما يخص الانتشار الإيراني في سوريا، ونشاط حزب الله على الحدود، والأنباء التي تتحدث عن استعداداته الجدية لمعركة مؤجلة منذ سنوات في المنطقة الواقعة بين أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة، والتي عرفت إعلامياً باسم "مثلث الموت".


ومن المثير كذلك، أن زيارة نتنياهو إلى روسيا جاءت بعد استطلاعه أحوال البيت الأبيض مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لم يحقق بعد ما وعد إسرائيل به خلال حملته الانتخابية، ويظهر أنه ما يزال في غيبوبة بما يخص الأزمة السورية، وهو في هذا المعنى لن يكون البديل السحري للرئيس السابق باراك أوباما، الذي كانت إسرائيل تعلم أن يده قصيرة في سوريا وممدودة لإيران، ما جعل الاهتمام بأي ظهور لنتنياهو في روسيا يوازي اهتمام جماهير كرة القدم في المنطقة خلال مواجهة بين فريقين، لكن في المرة الأخيرة لم يكن نتنياهو نجماً في موسكو.


مما لا شك فيه أن أي تحليق للطيران الإسرائيلي فوق سوريا بهدف ضرب شحنات أسلحة ينقلها حزب الله من سوريا إلى لبنان، كان يخضع إلى بروتوكول معين تبلغ فيه إسرائيل حلفاءها قبل شن الضربات. وفي السابق، لم يكن ذلك التبليغ لأخذ الإذن من الولايات المتحدة أو من روسيا التي تقبض على الأجواء السورية، لكن مع التعقيدات المستمرة وعرض الجميع لمهاراتهم في سوريا، ورغم عدم إيجاد حل لذريعة إسرائيل باستمرار نقل الأسلحة بين سوريا ولبنان، لم يستطع أحد أن يتآلف مع وجود الطيران الإسرائيلي فوق سوريا.


مؤخراً، لوحظ أن غارتين على الأقل نفّذتا في محيط العاصمة السورية من الأجواء اللبنانية، استهدفت إحداها موقعاً قرب الطريق الدولية بين دمشق وبيروت في ضاحية الصبورة، مرتع الصفقات والاستثمارات المشبوهة في سوريا. وإذا كان شيء ما لا يعرفه إلا بوتين ونتنياهو وراء استهداف الصبورة من الأجواء اللبنانية، فإن الغارة الثانية التي استخدم فيها الطيران الإسرائيلي الأجواء اللبنانية لضرب مستودع أسلحة في مدينة القطيفة في فبراير/شباط الماضي كانت محل استغراب، وتعزز الاعتقاد بأن التحكم الروسي في الأجواء السورية لم يعد يمنح الإسرائيليين استثناءات وهامش حرية في التحليق، لاسيما وأن الضربات السابقة لمستودعات الأسلحة التي يتزوّد منها حزب الله في القطيفة، كانت تحصل باختراق مباشر للسماء السورية، وكانت الأجواء اللبنانية محيدة عنها تماماً.


من المؤكد أن إسرائيل هي أحد الأطراف التي نالت مكاسب كبيرة مما يحدث في سوريا، وعليها أن تمتنّ لروسيا التي لم تمنعها من تحجيم الأنشطة الإيرانية في جنوب سوريا طوال السنتين الماضيتين، وفرض ما يشبه حظر تجوال في مساحات واسعة في الجنوب، وتحويلها إلى مناطق تحرك غير آمن لحزب الله والقادة الإيرانيين. لكن رغم كل ذلك، ليس التدخل الإسرائيلي بحجم ما تفعله إيران أو تركيا، أو الولايات المتحدة في سوريا، ما يعني أنه ليس من الضروري أن نشاهد بوتين يربّت على كتفي نتنياهو مثلما يفعل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أدائه في ميدان القتال وميدان السياسية. وعليه، لا بد من مراقبة الأداء الإسرائيلي للمرحلة المقبلة، فتقاسم تركة سوريا التي ماتت، بلغ مرحلة متقدمة على ما يبدو، والبيض الذي وضعه الرئيس السوري بشار الأسد في سلة بوتين نفدت حصّة إسرائيل منه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024