لا حرب في لبنان.. فقد بدأت المسخرة

روجيه عوطة

الإثنين 2017/11/13
تقول النكتة، إثر إقالة سعد الحريري عن بُعد، أنه "مش طالع بإيد 14 آذار إلا خطاب السيد". وفعلياً، تصيب النكتة في توصيف حالة اللاممانعة، التي، وقبل أن تتكئ على ذلك الخطاب، تحاول، وبكل إمكاناتها، أن تذيع إشاعة مفادها نهاية البلد عاجلاً أم آجلاً، بسبب حرب عليه، أو بسبب تفاقم أزمته.


فثمة معسكر مهزوم، لكي لا يقر بهزيمته، يمضي إلى بث إشاعته، ليؤكد أن البلد هو المخفق، وليس هو. في سبيله إلى هذا، يتبنى دعاية الممانعة عن ذاتها، بحيث يردد أنها "منتصرة"، ولكي يعزز "انتصارها"، يسقط حاله المنهارة على كل ما يدور في خارجه، ساعياً إلى إطاحته. فالآن، يتكشف معسكر اللاممانعة عن كونه لا يكتفي بتغذية الممانعة، بل يأتمر بأمرها. في حين أن الممانعة، وفيما تضحك في سرها، تخفف من روعه، إذ تطلب منه التهدئة.

لقد حان وقت رد الجميل بين المعسكرين. فيوم كان معسكر اللاممانعة يربح، كان يشرك معسكر الممانعة في نتيجة لعبته معه. وحالياً، ولأن معسكر الممانعة يربح، فلن يتوانى عن إشراك معسكر اللاممانعة في النتيجة أيضاً. معسكر الممانعة يتحول إلى لاممانع. أما، معسكر اللاممانعة، فلأنه لا يقدر على التحول إلى أي شيء غيره، يريد منع البلد بإنهائه، متمنياً حدوث الكارثة له.

يردع معسكر الممانعة، ولأنه رابح، معسكر اللاممانعة عن القضاء على البلد. وبالتالي، هذا المعسكر، ولأنه لا يتمكن من الإقرار بهزيمته، ولا من تحقيق أمنيته، يرتد على نفسه. ولهذا الإرتداد مفعول بعينه: ينطلق في "مراجعة" سياسته والمطالبة بأخرى. ولأن المراجعة تقتضي منه الإستناد إلى مرجع ناقد له، فلا يجده سوى في معسكر الممانعة، فيمتثل له، ساعياً إلى الإثبات إلى أنه عكس ما ينظر إليه. ليست محصلة هذا الإرتداد، إقلاع معسكر اللاممانعة عن الكلام ضد معسكر الممانعة، بل ثمة شيء آخر.

يصح استخلاص هذه المحصلة من مجال ثانٍ غير مجال السياسة، وهو مجال الفن المعاصر. مسرحية ربيع مروة "وقت قليل" هي نموذج امتثال اللاممانعة للممانعة، والتي يجسدها هنا الجهاز الثقافو-صحافي لجريدة "الأخبار". فمن المعلوم أن هذا الجهاز يوجه نقداً مبتذلاً إلى الفن المعاصر، محدداً إياه بكونه "نخبوياً" و"صعباً". مسرحية مروة تخضع لهذا النقد، وعلى طولها، تجهد في التأكيد بأنها غير "نخبوية" وغير "صعبة"، ما أفضى بها الشعبوية والركاكة، وفي خاتمتها مجّدت اللاشيء في شكل تهكمي. وهكذا، حين ترتد اللاممانعة على نفسها، لتراجع سياستها وتطالب بأخرى، مرتكزةً إلى مرجعها النقدي، أي ممتثلةً للممانعة، لن يفضي بها هذا الأمر سوى إلى الإفراط في شعبويتها وركاكتها، قبل أن تمجد اللاشيء. وتمجيد اللاشيء هذا، يُدعى: العدمية.

تتقاطع العدمية السياسية للاممانعة مع الفرجة الإعلامية. فالأولى، تطلق إشاعة تنطوي على أمنية، وهي إنهاء البلد، إعدامه بفعل الحرب أو بفعل تفاقم الأزمة. والثانية، تثيرها كل نهاية، بحيث سرعان ما تحولها إلى موضوع استهلاك، تروج به. وهناك، وفي هذه الأثناء أيضاً، متلقون لإشاعة العدمية السياسية، عبر الشاشات والصحف، وهم يستفهمون: "هل ستقع الحرب حقاً؟"، إذ يكدون ويثابرون في تدبير عيشهم في البلد. وبالنسبة إلى غالبيتهم، لا ظروف تسمح لهم بمغادرته. ما على هؤلاء أن ينصتوا إلى تلك الإشاعة، ولا أن يسمحوا لها بمخاطبتهم. فكلما فعلوا ذلك، ستنجح العدمية السياسية في تدوير نفسها. مرةً، كضحية. ومرةً، كمنبعث. في الواقع، لا بدّ من فك العدمية السياسية عن الفرجة الإعلامية. أما معسكر اللاممانعة، فعليه أن يقر بأنه "مش طالع بإيدها غير خطاب السيد". هذا الخطاب الذي سيكون "سلاحه"، والذي سيضمن استمراره في "سياسته"، متيحاً له، وبكل لاممانعة، أن يواصل النزاع معه، وهذه المرّة في شكل تهكمي. فلن تقع الحرب، ولن ينتهي البلد، بل ستقع وتبدأ المسخرة!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024