جورجيت جبارة..حينما خلعت تنورة الباليه لتقول "أنا جورج!"

محمد حجيري

السبت 2018/04/14
دعت مقامات للرقص المعاصر(*) لمشاركتها حضور حفل تكريم شكر وتقدير لـ"إنجازات مدى الحياة" لـلمصممة مصممة الرقص جورجيت جبارة، "الشخصية التي أدت دوراً جوهرياً في تأسيس الرقص في لبنان وتطويره والمناضلة في مجال الرقص التي لم تسمح لأيّ أمر أن يقف في طريق تحقيق حلمها".


جورجيت جبارة من أب لبناني وأمّ فرنسية ــ إسبانية، ومن جدّين حملا الجنسية الإيرانيّة "تكريماً من الشاه" ومولودة في زهرة المدائن (القدس)، عندما كان عمرها ستة اشهر تركت عائلتها فلسطين الى مصر، وبدأت طفولة جديدة في هذا البلد، وتعلمت في مدرسة راهبات ايرلندية، ولأن والدها كان لديه اختصاص في هذه الموسيقى ويحضر الاوبرا دائما، وتعلمت العزف على آلة البيانو، وكانت تحب الرقص بشكل كبير والتحقت في مدرسة استاذة المانية اسمها فريدل نيكولز، وقت علمتها اصول الباليه مع ناديا جمال والراقص المصري محمود رضا في صف واحد، في القاهرة، في خمسينات القرن الماضي. سافر رضا بعدها متنقلا بين أنواع الرقص والإيقاعات المصرية، مؤسسا أهم فرقة فولكلورية في بلاده، وتحولت ناديا جمال نحو الرقص الشرقي، فيما تُوجت جورجيت أيقونة لرقص الباليه في لبنان والعالم العربي.


مع انتقال العائلة إلى لبنان، تسجّلت جبارة في مدرسة جديدة بتشجيع من الأهل، وقامت ببطولة اول عمل لي كان على مسرح الاونسكو في العام 1957، اسم العمل "سندريلا"، ثم انتقلت الى مدرسة جديدة وعملت مع المخرج عصام حموي الذي شاهدها في دور الاميرة النائمة عبر النقل المباشر تلفزيونيا، وهي اول امرأة لبنانية ترقص الباليه من خلال تلفزيون لبنان وعلى الهواء. بعدما وقفت العائلة ضدّ سفرها في منحة علميّة لتفوّقها في الدراسة. لكن الحلم تحقق أخيراً، وسافرت جورجيت إلى يوغوسلافيا (1961) حيث تابعت دراسة الباليه، وعاشت أجمل أيام حياتها. تقول "إنها بين المحطات الأجمل في صباي. كنت يافعة وأتيحت لي فرصة السفر للدراسة فيها ليس من قبل دولتي انما من يوغوسلافيا وذلك لدراسة فن "الباليه" لمدة ثلاثة أشهر مرت مثل الحلم، على يد اهم الاساتذة في هذا المجال عالميا وهي الراقصة انا رويي. كانت تعتزم اقفال بيتها – ومدرستها فيه – والهجرة الى اميركا. لكنني، وبحكم انني حائزة منحة من حكومة بلادها اضطرت للبقاء لأجلي، وكنت الطالبة الوحيدة لديها وأصبحت بعد العلاقة الوطيدة معها وكأنني ابنتها، وطلبت ان اكون مساعدتها بالتعليم وفي كتابة مذكراتها وان أوافيها الى الولايات المتحدة، لكن وفاة والدي للأسف اجبرتني على العودة لإعالة عائلتي".

كادت جورجيت أن تتخلى عن مسيرتها الفنّية لإعالة العائلة، لولا تدخّل أساتذتها وإقناعها بالعودة. وإلى جانب عملها في وظيفة يوميّة، تابعت دراسة الرقص، إلى أن عرض عليها تعليم الباليه في مدرسة صغيرة. بعد نجاحها أيقنت أن ما تريده في الحياة هو احتراف الرقص. افتتحت في منطقة الحمرا اولى مدارس الرقص في الشرق الاوسط في العام 1964 بمرسوم جمهوري من رئيس الجمهورية آنذاك شارل حلو ورئيس الحكومة رشيد كرامي، كانت هذه المدرسة أوّل من خرّجت طلاب باليه بشهادات رسمية، ومكّنت بعضهم من متابعة دراساتهم في الخارج. كانت المدرسة خلف فندق الـ"كومودور" واليوم يحل مكانها متجر للدراجات النارية... ومن خلال اتصال هاتفي من انطوان ملتقى اسست فرع للباليه في الجامعة اللبنانية، وبدأت التعليم وفي نفس الوقت كانت تشتغل في المسرح، وكان معظم الطلاب يتدربون في مدرستها بدون مقابل وكان بينهم الفنان جورج شلهوب، ثم نظمت اول حفلة اسمها "امسية الباليه" في فينيسيا في العام 1972، وفي حينها فتحت فرعا في طرابلس، واشتركت في مهرجانات عدة في لبنان والخارج، وكرت سبحة المسرحيات باللغة العربية والفرنسية والانكليزية والارمنية، وخلال حرب 1975 وفي خطوة تعتبر مغامرة، انشأت مدرسة مساحتها 1200 متر مربع في منطقة الزوق، وذلك بعد ان رهنت منزلها وكانت تعلّم في المدرسة ناديا جمال وكذلك ادي فرزلي، وكان عدد الطلاب يفوق المطلوب.

أغنت جورجيت جبارة الفنون المشهدية في لبنان، بمشاركتها في دعوة عدد من الفرق الراقصة الأجنبية إلى "مهرجانات بعلبك الدولية". كما صمّمت كوريغرافيا مسرحيات "فرقة المسرح الحديث"، كما "فاوست" لمنير أبو دبس، ولمخرجين آخرين مثل شكيب خوري في مسرحيتيه "جمهورية الحيوانات" (1971)، و"القداس الأسود" (1975)، وأعمال أخرى قدّمت في الخارج مع فرق عالمية. صمّمت ورقصت على إلقاء الشعر العربي، وهي تجربة أولى من نوعها في الشرق الأوسط، لبرنامج عن الشعر من إنتاج التلفزيون الأردني، وقد بثّته معظم التلفزيونات في البلدان العربية (1981). واجهت مصاعب الحرب والقصف في الثمانينيات، لكنها خلعت تنّورة الباليرينا البيضاء ونزلت بنفسها تتابع ورشة البناء: «انسوا أني جورجيت... أنا جورج هنا!». هكذا تكلّمت جبارة مع معلّمي الورشة وعمّالها. وحالت الحرب دون افتتاح رسمي للمدرسة، لكنها لم تقفل أبوابها حتّى في أصعب الظروف...


(*) الإثنين 16 نيسان 2018 الساعة السابعة مساءً في متحف سرسق، الاشرفية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024