أحمد سعداوي.. عن استقلال كردستان

المدن - ثقافة

الثلاثاء 2017/09/12
(*) منذ زيارتي الأولى الى اقليم كردستان في أواخر العام 2003، وخلال الزيارات المتتابعة في السنوات اللاحقة وصولاً إلى مطلع العام الحالي حين ذهبت لتوقيع روايتي الجديدة، لم أرَ شخصياً إلا كل ما يسرّ، وكثيراً ما منعت نفسي من مديح الكرد، أفراداً عاديين في السوق والشارع أو أناساً من مستويات ثقافية واكاديمية، خشية أن أتهم بالتملّق والمحاباة، لكني في الحقيقة أحتفظ في ذاكرتي بعشرات المواقف التي تدلّ على طيبة وكرم وتواضع الكرد. 
استناداً الى هذه المودّة والمحبّة أشعر اليوم بالقلق تجاه ما سيحدث في 25 أيلول المقبل. ليس لأني ضد فكرة استقلال كردستان وإنما ضد التوقيت.

لا أرى في هذا التوقيت أي مصلحة كردية عليا. وأنا هنا أبني على ظاهر الأمور، ولا أريد الانسياق مع التأويلات والتخمينات التي تنسج نظريات معيّنة عن خلفيات الاستفتاء.

بشأن موضوع الاستقلال.. كان من الواضح، استناداً الى مقدمات عديدة، أن إقليم كردستان يتجه الى الاستقلال، وفي المرحلة ما بعد 2003 كان الهدف البعيد هو تأثيث الإقليم بممكنات الاستقلال المقبل.

شخصياً، كنت أعوّل على فكرة معينة؛ أن حصول الإقليم على مزيد من الاستقلال عن بغداد، سيؤخر هاجس الانفصال، وربما بعد أن يشعر الكرد بالطمأنينة، وأن المواطن الكردي يحصل على كل حقوقه، سيتخلى عن فكرة الاستقلال مستقبلاً. وهذا ما تؤكده أمثلة عديدة لتجارب مماثلة لشعوب حول العالم.

عملياً، إقليم كردستان يحظى باستقلالية عالية عن بغداد، ما يشبه وضع الدولة داخل الدولة، وحتى إن كان هذا وضعاً لا يرضي الكرد بشكل كامل، ولن يطمئنوا حتى يحصلوا على الاستقلال من العراق، فإن هذا هدف [مع حجم الاستقلالية الحالي عن بغداد] يمكن تأجيله، استناداً الى لائحة أولويات كردية أكثر إلحاحاً، منها تدعيم النظام الديموقراطي، والتداول السلمي للسلطة، وملف حقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية ومعالجة الفقر، وكذلك حل الإشكالات المتعلقة بحدود الإقليم مع بغداد، والاستمرار في الحل السلمي لمشكلة وضع كركوك وتسوية الأوضاع التي خلقتها عمليات التغيير الديموغرافي في النظام السابق وما الى ذلك من قضايا.
لست قلقاً تجاه فكرة استقلال كردستان، فهذا قد يكون حلاً لمشكلة مزمنة عمرها أكثر من قرن، لم تجعل العراق مستقراً في يومٍ ما. لكن توقيت هذا الاستقلال، فضلاً عن كونه لا يبدو أولوية حيوية ملحّة اليوم لشعب كردستان، يحمل رسائل سلبية كثيرة، منها أنه سيمثل توجيه بوصلة لمعركة لم تنته بعد مع داعش، وفرصة للصوت المتطرّف في الساحة العربية [السنية والشيعية] كي يعلو من جديد ليخرّب كل الجهود في التهدئة وإعادة التركيز باتجاه القضايا الحيوية الأساسية للشعب العراقي.

إنها قفزة في الظلام للنخبة السياسية الكردية، وفتح لباب مجهول على معاناة أكثر لشعب يعاني اليوم من جملة مشاكل خانقة، على رأسها المشكلة الاقتصادية.


(*) مدونة كتبها الروائي العراقي أحمد سعداوي في صفحته الفايسبوكية
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024