بعد حبس ناجي.. لا يهمني الإنسان

هشام أصلان

السبت 2016/02/27
1
قبل أكثر من 15 سنة، عشت مع ابراهيم أصلان أزمة رواية "وليمة لأعشاب البحر"، بوصفه ناشرها في مصر، عبر إحدى سلاسل النشر الحكومي. مرت أيام لم أكن أذهب فيها إلى مكان دراستي، الذي كان مجاورًا لجامعة الأزهر، بعدما حرض أحدهم طلابها، وخرجوا في تظاهرات، وأحلّوا دم الكاتب والناشر. كان قلقًا مبالغًا فيه، لكن هذا ما حصل.

اتصل نصر حامد أبو زيد من منفاه، حاول إقناع ابراهيم أصلان(أبي) بأن يأخذنا ويترك البلد. مرّ الأمر بسلام نسبيّ، في ظل نظام حكم فاسد، كانت لديه من الأسباب ما يدعوه لعدم تكبير المواضيع، والاكتفاء بتحقيق استمر يومًا بليلة بين مباحث أمن الدولة ومكتب النائب العام.
ومنذ سنتين، كانت ذُروة المعركة مع الإسلاميين. كنت أتصورها أصعب المعارك، لمّا كانوا قد وصلوا للحكم، وباتوا ديناً ودولة. انضحك علينا، تصورنا أنفسنا فاعلًا ونحن في الحقيقة مفعول به، وقامت أشهر حركة اعتراض في تاريخ الجماعة الثقافية، في ما عرف باعتصام وزارة الثقافة، مع خيال أبله بأننا إذا انتصرنا نكون حررنا الفكر والإبداع وحرية التعبير. لكن المسلسل لم ينته، ولن ينتهي. الظلام قدر المجتمعات العربية. يحكمنا مجانين، وبيننا من يحاول الحياة بإمساك العصا من المنتصف.

2
البعض يقول: الإحباط ترف ورفاهية لا نملكها، في ظل ما نعيشه من ظروف تستدعي استمرار المقاومة.

أحترمكم، وأقدر ما تملكونه من طاقة وأمل. أتمنى أن أكون واحدًا منكم. عذرًا، لأنني أصبحت مرفهًا بمخزون محترم من الإحباط.

تقولون: اليأس خيانة. وأنا بِتُّ أكثر المخلصين لتلك الخيانة.

بصراحة، لا أجد في حكاية أحمد ناجي فرصة جديدة للوقوف ضد الفاشية والظلام، ليست مُناسبة أخرى للدفاع عن الحريات. بصراحة أكثر، لا يهمني في حكايته سوى أن يخرج صديقٌ من السجن، ونخرج معه من حالة "النكد" التي نعيشها. يستعيد أيامه، ونستعيد حياتنا الخاصة كأقلية في مجتمع يكره الأقليّات.

3
لأن الوديعين الطيبين هم الذين يرثون الأرض في نهاية المدى، بتعبير أمل دنقل. أتمنى أن يتركنا المجتمع ودولته في حالنا، وأن نتركهما أيضًا في حالهما. كفى تعميقًا للمسألة. لا داعي، أرجوكم، للكلام عن العمل على وعي المواطن. لا تحاولوا توضيح الأمور، وإقناع القاضي والمجتمع بعادية "الألفاظ" في الأدب، والتذكير بكتب التراث. لن نصبح دولة حريات، نحن أضعف من تحقيق ذلك. أضعف من أن نطالب صراحة بالعلمانية. نخففها ونقول: "مدنية". المواطن لا يريدنا. لا تحلموا بعالم سعيد. أكتبوا لأنفسكم، دعونا نكتفي بالمعارك الصغيرة، التي نخوضها بيننا وبين أنفسنا، حول تقنيات السرد وغياب الناقد وإشكالية "البيست سيلر"، ونتسلى بنميمة لطيفة حول الذي يغيب عن جلستنا. دعونا نفكر في طريقة لإخراج صديقنا من السجن. وفي صيغة لحماية أنفسنا. الأسباب التي ألقت بناجي في السجن، متوفرة بكثرة لدى معظمنا، نحن الذين نقف في قلب مستنقع شديد الوساخة. هناك قاضٍ برّأ ناجي، وآخر سجنه. قاضٍ لا يستطيع أن يرفع عينه في عين أتفه معرص للنظام.

أخشى أن نفاجأ بمرور العامين وصاحبنا في سجنه. أخشى أن تخفُت انتفاضتنا بعد أيام، فنعتاد الأمر، ونتأقلم مع كونه مسجونًا، كما تأقلمنا مع غياب أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح وماهينور المصري، وغيرهم. لا أعرف، هل نسينا، أم غضضنا البصر، أم أنها قلة الحيلة التي لا نريد الاعتراف بها؟

لم يعد يهمني الإنسان ولا وجدانه. دعونا نمارس اختلافنا داخل دوائرنا الضيقة. أتمنى عليكم أن تنسوا أمر الإصلاح. الناشر محمد هاشم، وعدد من الأصدقاء أطلقوا مبادرة "مش هتخوفونا". لا يا عم محمد، يا أحد أيقونات ثورة يناير ورموزها. هذا نظام مدعوم بمجتمع "يمسك في ديل الحكومة كأنها أمه"، وشعب لا يحبنا. شعب لا أستطيع لومه، لأنهم غيبوه، ولم نقدر على منعهم منذ البداية. منذ أُغلقت برامج إعلاميينا المحترمين، منذ أقنعوه بأننا خونة وعملاء لأميركا وإسرائيل والكواكب المجاورة الطامعة في خير بلادنا، منذ عاد أبناء مبارك للتبجح، و"الطرطرة" علينا في العلن، ومنذ خارت قوانا ولم نعد نستطع المقاومة، ومنذ باعنا الذين كانوا معنا وأصابوا مصالحهم. منذ فشلت ثورتنا يا أصدقاء.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024