حصرياً من دولتنا: مات الشر، صفقوا!

روجيه عوطة

الإثنين 2017/08/21
صحيح أن الدولة حين تمنع عرض فيلم "أنابيل 2"، تبدو كأنها تطلق نكتة، نظراً إلى أن منعها لعرضه لا يؤدي إلى منع مشاهدته، بل العكس تماماً، الا ان تلك النكتة، تشير إلى حالة الدولة نفسها أكثر مما تدل على وضع الحريات في البلاد. 

فدولة الرقابة، وبمعية جهازها الكنسي، قالت إنها منعت عرض الفيلم لأنه يدور حول انتصار الشر على الخير، بالتالي، هي ترفض هذا الانتصار، لا سيما أن المشاهدين، وفي حسبانها، سيتفرجون عليه، وسيقتنعون به، اي سيصدقون قصته. فهؤلاء، في ظنها، أناس سذج، ما ان يتلقوا شيئاً حتى يعتقدوا به، وهذا التصور عنهم، لم تأتِ به الدولة من مكان آخر غير نفسها، إذ انطلقت من كون الفيلم ينتهي بهزيمة الكاهن على يد الشيطان، فصدّقتها منزعجةً، وحظرتها.

بيد أنه لا يمكن لدولة الرقابة ان تصدق نهاية الفيلم وتنزعج منها، في حال لم تجسد لها تلك النهاية أمراً ما، تحاول كبته واخفاءه. فهزيمة الخير تبدو كأنها الحقيقة التي يقولها الفيلم، والتي لا تقدر الدولة على تحملها، لأن الكشف عنها مقلق ومؤلم طبعاً. لكن، ثمة سياق آخر لرفض الدولة للحقيقة، وهو أن زمنها الآن هو زمن الانتصارات على كل شيطان من الشياطين. فكيف تسمح بعرض فيلم عن هزيمة الخير في وقت انتصارها على الشيطان، أكان في الجرود أو في أي مكان آخر؟ كيف تتيح عرض فيلم، يأتي من خارج زمنها المظفر، ويقلبه رأساً على عقب؟
تريد الدولة منا، نحن المواطنين السذج، أن نصدق هزيمة الشر، ان نصدق انتصار الخير، على الرغم من كونه انتصاراً هشاً، بحيث أن فيلماً بسيطاً، شبيهاً بالكثير من الأفلام، يهدده. والحقيقة، أن الخير هو المهزوم، وليس الشر، وهذا ما تسعى الدولة إلى كبته، داعيةً إلى الاقتناع بالعكس، والاحتفال به. "سكووب" الدولة: مات الشر، صفقوا!


فعلياً، الدولة، هنا، وبإعلانها انتصار الخير على الشر، تنهج طريقاً معاصرة، مفادها التشديد على أن كل شيء على ما يرام، والتشديد على انقضاء كل شيء سلبي وشيطاني وشرير. بمعنى ثانٍ: فكروا إيجابياً، فـ"شو يلي مانعنا نوحد يلي قسمناه" على ما تغني فيروز ملبننةً مخيلة جون لينون. فالموت، على أنواعه، والذي لطالما قضّ مضاجعنا، ها نحن ننتصر عليه، ونزيله، ليغدو كل شيء ممكناً، ووردياً، وفوري التحقيق، ولا يستلزم منا جهداً لتحقيقه، من مكافحة الارهاب إلى مكافحتنا الفقر والعنف.

وهذا ما لم يبينه منع الدولة لفيلم "انابيل 2". بل بيّنه، قبل ذلك، منع فيلم رعب آخر، فِعليّ وليس تمثيلياً، أي يوم منعت التداول خبر موت فرح القصاب خلال عملية جراحية أجراها لها الطبيب التجميلي نادر صعب. منعت الدولة خبر موت الشابة من التداول، لكي تمنع التشكيك في سمعة ذلك الطبيب، اي التشكيك في صيت قائد من قادة جهازها الاستطيقي، الذي يأخذ على عاتقه مهمة التخلص من البشاعة، وتحقيق هيمنة الجمال، باعتباره شكلاً من أشكال الخير.

وأن يسيطر الخير، ويهيمن، وأن يقتنع المواطنون بهزيمة كل شيطان، وموت كل سلبي، فهذا فيه من الخطورة بقدر ما فيه من الوَهم. ذلك أنهم حين يعتقدون بأن الشر، والسلبي، والشيطاني، والمميت، قد اضمحل، فعندها، لا يعود من الممكن لهم أن يروه، أن ينتبهوا اليه، وبالتالي، أن يواجهوه، قبل أن يبرز أمامهم بشدة، وينقض عليهم، من دون أن يكونوا مستعدين له. فينهارون أو ينكرون وجوده، ولن يسعفهم في ذلك تلصصهم السابق عليه، كصورة وفضيحة، "بالنقر على الرابط التالي".

نعم، ما فعلته الدولة نكتة. لكنها نكتة معاصرة، تخبرنا بأن الموت مات، وأن الانتصار عليه سيجري انجازه بالكامل: وموت الموت، موت الشر، وهيمنة الخير، هذه هي العدمية. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024