أفخاخ لتلافيها عند التماس مع الحدث في إيران

روجيه عوطة

الأحد 2018/01/07
منذ وقوع الحدث، بتظاهراته واحتجاجاته الشارعية، في إيران، تتوالى التعليقات عليه، وأغلبها تأخذ منه موضوعاً، تسرع في تناوله إلى درجة إصابتها بعسر هضمه، وبالتالي، تحويره لكي ينسجم مع حالتها هذه، وذلك، بالإنطلاق من عدة أفخاخ تسقط فيها. وهنا، قليل منها.

التسمية
منذ اللحظة الأولى للحدث، جرى طرح استفهام عما يمكن تسميته، فهل هو ثورة أم إنتفاضة؟ ولكن، هذا الإستفهام لا جدوى منه، لأن الحدث، وإذا كان ثورة، فهو تثوير للثورة، وإذا كان انتفاضة، فهو نفض للإنتفاضة. في النتيجة، لا يمكن إرساؤه على شكل، ذلك، وأي كانت مطابقته معه، سيقع فيه، ويبدل معناه أيضاً. فالحدث، كالبروليتاريا، وبتحريف بسيط لتعريف كارل ماركس لها: بمقدوره أن يكون كل شيء واللا-شيء على حد سواء.

زرع النقص
ومنذ اللحظة الأولى للحدث أيضاً، جرى طرح مسألة غياب القيادة التي ترفع على عاتقها أمر التعبير عن وقوعه في الإيرانيين، وتحققه في طلوعهم إلى الشوارع. تقوم هذه المسألة بزرع النقص في خائضي الحدث، وهذا الزرع ينم عن مخافة منهم، فمن هم؟ هل هم المحافظون؟ العمال؟ الشباب؟ جزء من الطبقة الوسطى؟ آكلو البيض؟ فالقيادة المطلوبة هي فعلياً ليست القيادة التي تتدبر خوضهم للحدث، بل تعيينهم، واختزالهم، والتكلم باسمهم، وهي غالباً ما يحصل التفتيش عنها بين الأسماء الذائعة، حتى تكون مهمتها تسكين المخافة منهم، وفتح السبيل لإمكان الإطاحة بهم. إلا أن الحدث قد يؤدي إلى إحياء قيادة ما، أو إلى تظهير أخرى، لكنه، في الأساس، بلا وجه.

الإكتفاء بالموقفية
من الممكن القول ان إطلاق موقف "مع الحدث" بعد وقوعه هو موقف فارغ، لكن، كل قيمته في أنه على هذا الوضع، بحيث ان سبل الفهم تنطلق من فراغه. ولكن، التجمد في الموقف، وبالتالي، في فراغه، يؤدي إلى استمداد قوة "مع الحدث" من "ضد النظام" حتى تنطوي عليها بالكامل، "انا مع الحدث" تساوي "انا ضد النظام" فقط، مثلما يؤدي إلى اشهار هذه الـ"مع" مرة تلو المرة ما يجعلها هشة وفي حاجة إلى ترسيخ دائم. كل ذلك، لأنها نعم متوقفة على فراغ اطلاقها، وتحاول ضغطه، لتجنب سؤال كيفيتها: مع الحدث، ولكن، كيف؟

سقف التصور
ثمة تصورات تسير الحدث، وتصورات توقفه، وذلك، ليس من خلال النطق بدعاية نظام الملالي ضده، كالترويج السخيف لكونه "مؤامرة صهيو-أميركية"، بل لأنها ترفع فوق خائضيه سقفاً من الأهداف، وما عليهم سوى أن يقفزوا لكي يمسكوا بها، إلا أن هذا السقف سرعان ما يعلو أكثر، ولا يستطيعون بلوغه. على أن أغلب هذه التصورات تنطوي على توقعات منه، وعندما لا يحققها، يشرع أصحابها في الإحباط، أو في نقل موقفهم إلى نقيضه: "مع الحدث، لكن، وعندما وجدت أنه ليس ديمقراطياً مثلما ظننت، صرت ضده".

الإلحاح على حدث أكبر
على إثر الإسراع في تناوله، يتغير الحدث إلى موضوع إستهلاك، ومن سمات هذا التغير هو الإلحاح، على شكل تمنٍ أو ترقب، على أن يكون ضخماً للغاية. ولهذا الإلحاح فعل معين وهو قياس توسع رقعة طلوع الإيرانيين بعد وقوعه، والإعتقاد بأنها ضئيلة أو كبيرة، قبل التخفيف من قيمة الحدث، أو الإعلاء منها. إلا أن الحدث إياه لا يجري قياسه على هذا النحو، بل بالإستناد إلى مفاجأته ووقعه.

تشغيل العداد الجثثي
لكن، الأسوأ في تغير الحدث إلى موضوع إستهلاك هو إنتظار انقضاض نظام الملالي على الإيرانيين، والشروع في إحصاء القتلى، بحيث كلما ارتفع عددهم، يكون هذا دليل على أن الحدث يحصل على معناه، مثلما يكون دليلاً على ما هو معلوم وبديهي، أي أن ذلك النظام تمويتي وقمعي.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024