محمد حجيري
بعض ردود الأفعال الفايسبوكية:
جبور الدويهي (روائي لبناني): كأنّي بمستنكري نشر رسائل أنسي الحاج الى غادة السمّان (وهم محقّون في استنكارهم) يصنّفونه فوق الشبهات (الوقوع في غرام "عادي" مثلاً) كجزء من "الميتولوجيا" اللبنانية التي ساهم في الترويج لها.
وديع سعادة (شاعر لبناني): عملتُ مع أنسي الحاج سنوات، في "النهار" و"النهار العربي والدولي" في باريس وفي بيروت، وبحسب معرفتي العميقة به أؤكد أنه لو كان حياً لكان حتماً سيرفض نشر رسائله إلى غادة السمان. فهذه رسائل خاصة وشخصية وليست ملكاً للجميع، وكان عليك يا غادة أن تحترمي هذه الخصوصية ورغبة أنسي بالتحديد. لو كانت هذه الرسائل تتطرق إلى قضايا أدبية لشفع بكِ نشرها يا غادة، أما أن تنشري هذه الرسائل لتقولي فقط أن أنسي كان مغرماً بك فليس ذلك لائقاً.
عيسى مخلوف (شاعر) لماذا ننتظر موت العاشق لننشر رسائله؟ لماذا لا ننشرها وهو حيّ، نستشيره في الموضوع، وإذا رفض، ننشرها رغماً عنه، ونرى ما سيكون ردّ فعله؟
هل كان أنسي الحاج سقطَ في جُبّ الرسائل لو عرف أنّ عواطفه الحميمة ستُنشَر يوماً على حبل الغسيل؟ لو عرف غسّان كنفاني أيضاً وآخرون قد يأتي دورهم؟
تتساءل آن بنجو بعد أن نشرت رسائل فرنسوا ميتران الموجّهة إليها: "هل أحسنتُ التصرّف أم لا؟" (أي أنها نشرتها وهي لا تزال في حيرة من أمرها)... هل راودت هذه الحيرة غادة السمّان وهل تساءلت عن الفائدة من نشرها؟ هل فكّرت أيضاً في نشر رسائلها؟
هل كلّ ما يُكتَب يُنشَر؟
آن بنجو واجهتها أسئلة عدّة، منها ما يتعلَّق بالجانب الأخلاقي والقانوني: "هل يجوز الجَهر بالسرّ؟" و"هل الرسائل مُلك المُرسَل إليه أم أنها مُلك ورثة المُرسِل؟"
ونحن، قّراء هذه الرسائل، أيّ دور هو دورنا وقد أصبحنا، على غفلة منا، كالمتلصّصين من شقوق الأبواب؟ نسعى إلى تقليب الحروف والكلمات لعلّنا نلمح فخذاً عارية من هنا أو شفاهاً ملتهبة من هناك... وهكذا بدل أن يكون الكاتب هو الذي يستعمل الكلمات، تصبح الكلمات هي التي تستعمله، حتى بعد موته.
رنا زيد (شاعرة): غادة السمان، وصمة عار على المشاعر، شخص مخبول، لا يمتلك أي ذوق أو حس إنساني، ونموذج شخصاني مكرور للمرأة العربية الغبية. مشاعر أنسي الأحادية، نمت، في شكل هائل من الأسى وبفردية قاتلة، لأنها لم تعطه ذرة حب، وتستطيع ببساطة، الآن، أن تنتظر موته، لتكتب عن ترجيه وتنشر ضعفه؛ لو أنها أقامت ليالٍ طويلة معه، من الجنس، ليالٍ غير متوقفة، من الجنس والحب والتوق والرغبة والتشظي، ثم نشرت تلك الخصوصية، لكنتُ احترمتها، لكنَّها تدعي العفة والقداسة، حين تنشر مثل هذا التوق الأحادي، والإدعاء أنها المرأة العذراء نصياً، المرأة غير الممتلكة، إنها تقوم بابتزاز مشاعرنا، لتشعر أنها مرغوبة، سحقاً لها كم هي عفنة من داخلها!
منى وفيق (كاتبة): الكثير من الأصدقاء علّقوا على نشر"غادة السمان" لرسائل "أنسي الحاج" إليها و قبلها رسائل "غسان كنفاني"، أغلب التعليقات هاجمت نشرها للرسائل خصوصا بعد وفاة أصحابها ، هنا تعليقي:
لماذ لم يفكّر أحد أنّ نشرها للرسائل نوع من النّدم المتأخّر أو الحبّ الممتنّ المتأخّر ( لا أحد يختار أن يحبّ أو لا يحبّ شخصا يحبّه، لا أحد لا يتمنّى ألا يحب شخصا أحبّه فعلا، لا أحد لم يحاول جادّا أن يبادل من عَشقه عِشقه!)
حتى لو كان نشر غادة للرسائل بسبب إفلاس عاطفيّ أو أدبيّ أو حتى لإشعال حضورها الذي خَفت، هذا يعني أنها بحاجة لأن تشعر بالحب، بحبّها لنفسها، بحبّ من حولها لها، حتى بِحبّ من رحلوا ولم تستطع ربّما أن تحبهم في ذلك الوقت..
شخصيّا سأقرأ الرسائل لا يهمني ما كان الهدف من وراء نشرها لكن أحبّ أن يأخذني الحب المشتعل بين ثنايا الرسائل ويستلبني... يبقى الحبّ فعل مشاركة، إنّنا نحب كي لا نشعر بالوحدة.. وهي الوحيدة، لا تزيدوها وِحدة .
نائل بلاوي (كاتب): ثمة رائحة ذكورية فجة ومعتلة في حكاية ردود الفعل التي انفجرت، رفضاً واحتجاجاً، في وجه غادة السمان، اثر نشرها لرسائل انسي الحاج اليها .
وكانت تلك الرائحة ذاتها قد انتشرت حين اقدمت المذكورة على نشر رسائل غسان كنفاني اليها ايضاً!
هي ذات الرائحة، ذات التظرة المتسلطة واللئيمة التي لا ترى الى الجانب الانساني الشفيف في الرسائل الجميلة ولا تتلمس دوافع اصحابها عند الكتابة، بل تذهب على الفور في مهمة محاكمة المرأة التي استقبلتها.. المعشوقة، وهي غادة السمان هنا، وبحجة اقدامها المتأخر على النشر!
تبدو ردود الفعل {مفهومة هنا ومنتظرة} حين توضع في سياقها العليل والمسكون بروح ثقافة المسكوت عنه، والمطلوب منه ان يبقى، لغير سبب وسبب، متوارياً والى الابد. ثقافة الذكر العربي الذي يملي ويشرط ... يرفض ويستجيب كما يحلو له ولا يقبل بحضور الانثى، المعشوقة، المشتهاة الا في القصائد والنصوص.. القصائد والنصوص التي يكتبها هو بالطبع. فالقاعدة المقدسة عربياً تقضي، عند الاكثرية ممن يشتغلون في حقول الابداع قبل سواهم، بأن تغيب المرأة في الواقع وتحضر في المجاز!
المجاز هو السر في متن الحكاية.. وفي القلب من هذه الثقافة التي تخفي كل ما تود ان تقوله خلفه. هكذا يكون على {السيدة العربية المعشوقة} ان تختفي وأن يظهر الذكر المقدس... غسان او انسي لا فرق!
عليها ان تتراجع خطوات طويلة عن خشبة المسرح/ الحياة عموماً. وعليها ان تتلاشى تماماً حين تكون الثيمة هي هذه المتوترة والغامضة عربياً: الحب والجنس، فذاك هو مسرح الذكر {لعبته التي ورث} وعلى الانثى ان تتوارى خلف الكواليس، ان تبقى مجازاً!
هل خدشت غادة السمان هذا التابو؟
ممكن؟ ثم، والسؤال في مكانه الآن: ماذا لو اقدم احدهم، شاعر او كاتب عربي، على نشر رسائل عشيقاته اليه؟
اجزم ألان، جواباً، بأننا سنعثر على الكثير من الردود المادحة لفنون الرسائل وأدب البوح والاعتراف وغير ذاك !
اعرف بأن السمان مطالبة بنشر ما لديها من رسائلهم اليها... ولكن، من يدري، ربما اوصت بنشر ما لديها لاحقاً. وربما لا يزال لديها المزيد من الرسائل، فقد كانت فتاة جاذبة وجذابة انذاك ولم يتوقف عشاقها عند الحاج وكنفاني كما نعرف؟
شخصياً، وقد لا يروق هذا الراي للبعض: احببت غسان كنفاني العاشق في الرسائل اكثر من حبي لغسان الروائي والقاص. كما زاد اعجابي بالحاج الشاعر/ العاشق اثر قراءة بعضاً من رسائله اليها اليوم. اما السمان فلا تزال عندي كما كانت في السابق: مجرد كاتبة عادية لم تثر اهتمامي ابداً.
ردود الفعل الغاضبة على نشر السمان لرسائل الحاج هي نافذة جديدة، في نهاية المطاف واوله، تطل من خلالها على هذا المرض العربي المزمن: الذكورة. المذكر... والثقافة الذكورية المرعبة عموماً. الى جانب حقيقة ان الرسائل ذاتها هامة المعنى، ادبياً وفنياً، ولا يجوز لها أن تدفن مع أصحابها.
ياسر الزيات (كاتب): ليس عيبا أن يحب أنسي الحاج من طرف واحد. العيب هو تباهي غادة السمان بأنه أحبها من طرف واحد، والعيب هو نشرها للرسائل بعد موته، بدون إذن منه في حياته. والعيب كذلك هو أنها لا تنشر رسائلها هي للذين أحبتهم، رغم أنني أشك في أن هذا النوع من النساء يعرف الحب، فهو نوع يهوى جمع العشاق والتباهي بهم. هذه امرأة مريضة نفسيا، وهي على الأغلب غير متحققة جنسيا. هي مشغولة بنفسها، مشغولة بتحقيق أسطورتها الشخصية على حساب لحظات صدق أحسها اخرون.
تيما سلام (كاتبة): غادة السمان تنشر رسائلا غرامية وصلتها من أنسي الحاج سنة 1963!
الرسائل (ما قرأته منها إلى الآن) رائعة أدبيا، وتضعك في سياق "قصة" ذاتية، يخاطب فيها أنسي نفسه أكثر منه "معشوقته"، ويستلّ صوتها أحيانا ليخلق حوارا، ضروريا للاسترسال، قال إنها بخلت عليه به.
الأمر تؤكده السمان، فتقول إنها لم تردّ على رسائل الحاج، أي لن يكون هناك ما يلومها عليه القراء كما حدث مع رسائل غسان كنفاني، عندما نشرت رسائله إليها (سنة 1992) دون رسائلها له "لأنها ضاعت" وتحسرت عليها كما صرحت في حينه.
لكن، غادة، لما لم تنشري رسائل أنسي وهو حي؟! أنت غير الحاضرة في حياته لاحقا أو بين كلماته المُعلن أصحابها! في المقابل أليس من الجميل قراءة هذا الجانب من أنسي بلغته البديعة.
أيضا ألم يرتبط اسم غادة السمان أكثر من "الصحي" بالرسائل؟ بدون أن نبخسها قدرها الأدبي، كثيرون جدا يعرفون عنها من كنفاني، وآخرون الآن سيعرفون عنها من أنسي، أين هو اسمها الثقافي! كان ربما ليكون تواتر إبداعه "المفاجأة" الحقة في معرض بيروت الدولي للكتاب لا "مفاجأة" رسائل الحاج !
لميا مقدم (كاتبة): ماذا في رسائل انسي الحاج لتعتبرونها فضيحة وكشف مستور وخيانة من غادة السمان؟! حب؟ ما به الحب؟ هل الحب فضيحة؟ ضعف؟ انسي الحاج لم يخف ابدا هشاشته وضعفه في الحب ونصوصه شاهدة على ذلك، أين المشكل اذن، والحال ان الكتب التي تتناول علاقات الكتاب والفلاسفة والشعراء هي الأكثر رواجا في كل مكان من العالم؟ الرسائل كانت ستظهر في كل الأحوال بعد وفاتها، ويبدو انها فضلت ان تنشرها بنفسها، على ان تتركها لمن يتولى امر تأويلها، وهي عمل ادبي مدهش، يضيف لأنسي الحاج ولا يقلل منه. شخصيا سعيدة بأنني اقرأ لهذا العاشق الابدي نصا جديدا بهذا الجمال، حتى وهو ميت. عاش انسي الحاج!
إسلام أبو شكير (شاعر): كاتبة مثل غادة السمان لا تنقصها الشهرة.. على العكس فهي ممن يهرب من الأضواء، وأنا لا أذكر انني رأيتها على التلفزيون يوماً، أو حتى سمعت صوتها..
لا ينقصها المال أيضاً في حدود ما هو معروف عنها..
ليست مراهقة..
ليست ممن يهوون خوض المعارك وإثارة الزوابع..
إذاً لا بد من سبب وراء نشرها لرسائل أنسي الحاج إليها..
جميع الاحتمالات تداولها الفيسبوكيون، باستثناء احتمال واحد.. القيمة الأدبية..
لم ير معظم من كتب في الموضوع جمال هذه النصوص.. ما نشره عبده وازن منها على الأقل.. رسائل شكلاً، لكنها في الجوهر جزء من تجربة أنسي الحاج في الكتابة والحب والحياة.. تضيف إليه وتغني رصيده..
لقد أوصى كافكا بحرق أعماله، لكن ماكس برود لم يفعلها.. من يلوم ماكس برود اليوم؟..
ورسائل كافكا الخاصة جداً إلى حبيبته ميلينا وإلى أخته وأبيه هي اليوم جزء من تراث كافكا، والتراث الأدبي العالمي..
أعتقد أن غادة السمان لم تكن أنانية في نشرها لرسائل أنسي الحاج، ومن قبلها رسائل غسان كنفاني.. الأغلب أنها كانت واقعة تحت تأثير سحر الكلمة.. غواية الأدب..