معرض أيلي بورجيلي... بيت اللعبة المثير للريبة

ميموزا العراوي

السبت 2014/11/15
افتتحت صالة جانين ربيز معرضاً للفنان التشكيلي إيلي بورجيلي، يضم 14 لوحة مشغولة بالأكريليك والمواد المختلفة. كل الأعمال المعروضة ترضخ لفكرة أساسية لا يحيد عنها الفنان مهما تنوعت أشكال وألوان أعماله، والفكرة هذه، التي يجسدها أو يعيشها شخص واحد يسكن الأعمال، تعتمد على مبدأ تحويل التراجيديا إلى مهزلة وذلك بشكل تلقائي.

معظم اللوحات المعروضة هي من الحجم الكبير. لكن ذلك لا يمنع زائر المعرض من أن يجد نفسه بعض لحظات وكأنه يسترق النظر من فتحة باب صغير يفضي إلى داخل بيت ألعاب تدور فيه القصص الأكثر طرافة و"هولاً" في الآن ذاته. 

بطل هذه المشاهد والأحوال التراجيدية، التي تحولت على يد الفنان إلى كوميديا، هو شخص رسمه الفنان متأرجحاً بين ظهور شبحي أو مهّرج وجودي بعّثر الغُرف التي دخل اليها وأرسى التوتر والتساؤل في نفوس من أحاط به من أشخاص. ونذكر من أسماء بعض اللوحات التي تشير إلى انصهار الجاد بالهزلي: "الرجل الحمار الذي يظن نفسه ذكياً"، "من على الرفّ، العالم يخيفني"، و"الرجال لا يعرفون أين يختبئون"، و"العبها مجدداً يا سام".

غير أن من أهم اللوحات التي تفتح الباب أمام التأويل أو تدخل المشاهد إلى المسرد "شبه الفلسفي" ببساطة بصرية تعمّق من أثر اللوحة في نفس المشاهد نذكر 3 لوحات. اللوحة الأولى "الشبح خارج الأوبرا". في هذه اللوحة يقلب الفنان معنى الأمكنة. فالشبح (المهرج، أو المجرم، أو الممثل، أوالمخيف، أو المسخ.. الخ) يخرج من حيزه المعتاد غير الجاد، أي مبنى الأوبرا، ليدخل إلى العالم الحقيقي حيث ينتمي بالفعل. وحين يخرج "شخص" إيلي بورجيلي من قمم الجدية، لا يدخل إلى اللوحة الا طائراً أو متشقلبا، أو متدحرجا، على هوى رياح جدية تعصف في أرجاء اللوحة فتعيد ترتيب عناصرها بالمقلوب!

اللوحة الثانية تحمل عنوان "خطوة صادقة نحو الهزليّ"، وفيها جزء منمنم من تمثال شخص تخرج من فمه فقاعة فيها هذه الكلمات "أنا جديّ جدا". أهمية هذا العمل أن الفنان يضع الهزليّ والجديّ في كفة واحدة حتى وقوع الإلتباس الكامل.

هل الجدية هي مدعاة للسخرية، أما السخرية هي البالغة الجدية؟

الأمر ذاته في نظر الفنان الذي عبّر عن افتتانه بقول لكارل ماركس"المرة الأولى هي تراجيديا، والمرة الثانية هي كوميديا"، ويستطرد الفنان قائلا: "الحياة مجموعة من الإختبارات قاسية، وإن كان بعضها جميل. اختبارات تتراكم وتترك أثرها العميق في النفس. كل اختبار هو تراجيديا حين يحدث لأول مرة، وله رهبة البدايات ولكن عند تكراره يصبح هزلياً". فحين يقول المرء "أنا جدي جداً فهو غالبا ما يكون ساخراً وقد أصبح في المرحلة الثانية والأنضج من الوجود، أي الكوميديا!".

أما اللوحة الثالثة، فهي التي يذهب أثرها المباشر في التشكيل البصري لخمسة أعمال، وتأثيرها اللامباشر في الأعمال الأخرى. عنوان اللوحة "تحت السرير يرقد عقرب له نظرة حنونة". والحقيقة تقال أن الأسرّة في لوحات بورجيلي ليست قليلة! فشخصه إما يرقد فيها واضح المعالم، وإما يغوص فيها مختبأ تحت كومة من الأغطية.

حين سألنا الفنان عن "قصة" السرير في لوحاته، ابتسم وقال: "لا أعلم، ربما لأنني منذ أن انتهت الحرب، لا أنام جيداً. مشهد السرير الذي غالبا ما يكون في قسم الأعلى من اللوحة ساهم كثيرا في تقسيم اللوحة إلى قسمين. الليل حيث السرير في العتمة وتحت نجوم، والنهار حيث قفز الشخص من سريره ليخلق الفوضى ويخربط تسلسل الذكريات في ذهنه وكيان من حوله. يبقى هذا العقرب الحنون رصداً موقوتا يهدد النائم بلسع أحلامه، أو لنقُل أوهامه!". لوحة بورجيلي لوحة معاصرة، من حيث المضمون الذي يؤكد الفنان أنه "الأهم" بالنسبة له، ومن حيث التشكيل حيث يعتمد الفنان أسلوب الكولاج وإدخال العناصر المختلفة التي جمّعها من هنا وهناك إلى مساحة لوحته. كثيرة هي العناصرالتي يستعملها وهو في حالة اكتشاف دائم لإحتمالات جديدة يراها في الأشياء الطبيعية كالبحص والقشّ. يحضر إلى لوحاته الأشياء الصغيرة والمتروكة لحال سبيلها، والتي نمر من أمامها ولا نراها. كما يستعمل "البلاي موبيل" وهي عبارة عن ألعاب بلاستيكية ملونة بالغة الصغر يمكن تحريك أطرافها. 

يأتي الفنان بهذه المواد إلى لوحته فيعطيها بداية جديدة وحياة جديدة، ولعل عنوان معرضه "مارودار" يختصر نزعة الفنان إلى البحث عن بقايا الأشياء أو أقسامها المحطمة من أجل تجميعها وصبّها في مكان ما في لوحته يعطيها القدرة والحق في أن تسدي بكلمتها وما الغريب في ذلك عند فنان يقول: "أسعى لأن أمنع الأشياء بأن تبقى على موتها".


* يستمر المعرض حتى 21 تشرين الثاني الجاري.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024