ومات مخرج الكابوس الأميركي

روجيه عوطة

الإثنين 2017/08/28
في العام 1973، كان توبي هوبر (1943-2017) في متجر من متاجر تكساس، وما ان انتهى من التبضع، توجه الى الصندوق لكي يدفع ثمن مشترياته، لكن صف المتبضعين أمامه كان طويلاً للغاية. انتظر، تململ، ومن أجل التخفيف من وطأة الوقت، راح يلقي نظراته يميناً ويساراً، وعندها، وقع بعينيه على المناشير الجنزيرية، وعندها، أيضاً، خطر في باله مشهد يدور حول تناوله منشاراً فولاذياً، وقتل كل هؤلاء الذين يقفون في إزائه، ما يتيح له أن يعجل الخطى الى الصندوق، فيحاسب، ويغادر. 

لم ينفذ هوبر مشهده في مكان ظهوره، أي في المتجر، نقله الى مكان آخر، الى الفيلم الذي سيخرجه، وسيشكل به شريطاً مفصلياً في تاريخ سينما الرعب الأميركية. ففي اليوم، الذي لم يقتل فيه هوبر المتبضعين، قرر ان يشرع في اخراج فيلمه الأسطوري The Texas Chain Saw Massacre، الذي كتبه مع صديقه كيم هنكل.

غير أن هوبر لم يحول جريمته المفترضة الى فيلم لولا تعلقه بالسينما، فحين كان يُسأل في شبابه عن مدرسته وجامعته، كان يجيب بتسمية الصالات التي ارتادها في طفولته ومراهقته، قبل أن يصير مخرجاً لعدد من الدعايات، عدا عن الأفلام الوثائقية، وعلى رأسها (Eggshel (1970، ثم يتجه لاحقاً الى صناعة الرعب على متن "مذبحة في تكساس". ولكي يفعل هذا، استند الى أفلام لطالما شاهدها في السينما التي امتلكها والده، أو مع رفاقه الهيبيين والمنتمين إلى "الثقافة المضادة". وقد حملت توقيع جاك أرنولد ووليام منزييس، وكورتيز، بالاضافة الى جيمس ويل وهيتشكوك، وغيرهم، مثلما أنه ارتكز على القصص، التي رواها له طبيبه حول نسج الاقنعة من الجلد البشري، كما أنه عاد الى قصص السفاحين، وفي مقدمتهم، القاتل المتسلسل أيد غين، الذي اشتهر بنيكروفيليته، وسرقة الجثث من المقابر.

كانت موازنة "مذبحة في تكساس" قليلة للغاية، ومع هذا، لم يتراجع هوبر عن رغبته في اخراج فيلم مختلف، لذلك اقتصد في التكاليف. فبدل تجهيز ديكور الفيلم بعظام مزيفة، جهزه بعظام حقيقية، اذ إن المنتج رون بوسمون تنقل بسيارته على طول تكساس لكي يجمع الجيف الحيوانية. أما الهيكل البشري، فقد استحصل هوبر عليه من إحدى المؤسسات الاستشفائية. وعلى هذا النحو، يذكر هوبر في إحدى مقابلاته أنه، وفي كل مرة كان ينتهي من تصوير لقطات من الفيلم داخل المنزل الذي يحتضن أحداثه، كان الممثلون يسرعون الى النوافذ لكي يتنفسوا، ويبددوا غثيانهم الذي تنتجه رائحة العظام والدماء.

في النتيجة، أخرج هوبر فيلماً يجمع بين العنف الشديد والفكاهة المضمرة، وقد كان الأول من نمطه في سبعينات القرن المنصرم، ما حوله الى ما يشبه نموذج سينمائي جديد في دنيا الرعب. فمع أن هوبر قد أخرج بعد "مذبحة في تكساس" أكثر من فيلم، مثل The Fun House (1981، و(Poltergeist (1982، و(Night Terrors (1993، الا أن اسمه ارتبط به، ربما لأن فيلمه ذاك اندرج في سياق تاريخي بعينه، أي حرب فيتنام، وأثر اغتيال كنيدي، وفضيحة ووترغيت. وهكذا بدا أن "مذبحة في تكساس" يسجل العمق الأميركي بحقيقته القاسية والفظة، أكان بطريقة مواربة، نتيجة وقعه على جمهوره، أو مباشرة، بحيث أن القاتل فيه، "صاحب الوجه الشيطاني"، يختزل بجنونه آثار التبدل الاجتماعي والإقتصادي: "إنه فيلم وثائقي، وليس فيلم رعب فقط"، يقول هوبر. فصوّر الكابوس بأسلوب "المقلب الآخر للحلم الأميركي"، الذي كان آنذاك في بدايته.

ومع موت هوبر، الذي توقف قلبه السبت الماضي، تخسر سينما الرعب رائداً من روادها، الذين أدركوا أن أفلامهم لا تبغي إخافة جمهورهم فحسب، بل نقد مجتمعاتهم، والإشارة إلى الحقيقة الوحشية التي تنطوي عليها، أي إخراجها، وكما هي، إلى السطح. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024