محمد حجيري
كفى يا ابنتي! اغلقي النافدة
على مهلٍ.. في عيون الحبيب
وفي وشوشات المساء الغريب
تمر الرياح.. تمر السنون
ويمضي النواح.. وتمضي الشجون
ولم تكن قصيدة "موسيقى كئيبة" اقل كآبة
والولد النحيل
يداعب الجروح في القميص
باصبع نحيل
والنار في العيون لا تموت
والمطر المنساب في سكوت
يبكي في زاوية الشباك
يبكي على زنبقة حمراء
في علبة مزروعة هناك
في موقد الاضواء
ولم يمض وقت حتى التحق محفوظ بمجلة "شعر" وأصبح من اعضائها البارزين، ونشر أول دواوينه العام 1959 بعنوان "أشياء ميتة"، ثم "أعشاب الصيف" (1961)، و"السيف وبرج العذراء" (1963)، و"الموت الأول" (1973) ويتضمن مجموعة منتخبة من قصائده. وكان أعلن هجرانه الشعر نهائياً إلى لغة تعبير جديدة، هي المسرح، بُعيد هزيمة العام 1967، وكتب آخر قصائده "وداع الأيام الستة" وبها "تخلى" عن عالم الشعر منتقلاً الى المسرح وبادئاً مرحلته الثانية، معتبراً أن المسرح اكثر قدرة على التعبير من الشعر. وكتب بيانه - المانيفستو الشهير،"بيان مسرحي رقم واحد"، المنشور لاحقاً في مقدّمة مسرحيّته "الزنزلخت" 1969. أراد محفوظ أن يؤرّخ للتجربة، ويعلن ولادة اتجاه جديد... في بيانه الحرب "ضدّ الاتفاق، ضد التقليدية، ضدّ التفاهة، ضد الكسل، ضد اللامسرح". إنّها حرب تجعل أعماله عند "الحد الفاصل بين النص الأدبي والنص المسرحي... إنني ضد الكلمة الشعرية في المسرح، ضدّ الحذلقة الذهنيّة، ضدّ البلاغة، ضد الخطابة، ضد الغنائيّة، ضد الفكر، ضدّ كلّ ما يقتل الحياة في اللغة المسرحيّة". يرى عصام محفوظ أن على المسرح "أن يتحيز لموقف، وأن يبدأ هذا الموقف من الواقع، مستخدماً أول عناصر هذا الواقع: لغته، اللغة المحكية، لغة الشارع والبيت، لغة القبضة والشجار".
وحمل سعدون، بطل "الزنزلخت"، ملامح البطل اللبناني والعربي، السلبي والوجودي، الذي يحاكمه مجانين في مصح على جريمة لم يقترفها. بعد هذه المسرحية توالت اعمال اخرى: القتل (1969)، و"الديكتاتور" وقد كانت بإسم الجنرال عند تأليفها، وبعد المرور التقليدي والإجباري على الرقابة، طُلب من عصام محفوظ ألا يدين رتبة الجنرال، فاستُبدِل اسم الجنرال بالديكتاتور. ويقول محفوظ: "نزعت عن الجنرال الصفة العسكرية… لأن هناك أكثر من ديكتاتور مدني حاكم في العالم، على الأخص في العالم الثالث". وتقوم فكرة المسرحية الديكتاتور، على تعرية لصورة الديكتاتور أو فضحه. نراه مريضاً ومضطرباً يتوهّم أنّه المنقذ الذي تنتظره البشرية وأن ثورته هي التي ستغير العالم. من دون شك أن هذا يعتبر سبقاً في تجربة محفوظ، في المقابل نجد أن الرواية العربية تأخرت كثيراً حتى تطرقت الى الديكتاتورية كما حصل في اميركا اللاتينية، وربما تعتبر رواية "عالم صدام حسين" لمهدي حيدر(اسم مستعار)، توطئة للرواية العربية عن الديكتاتور العربي...
ولعصام محفوظ مسرحيات أخرى منها "كارت بلانش"، "لماذا؟" اما آخر مسرحية كتبها قبل الحرب فكانت "حسن والبيك" وكانت عبارة عن مونولوغ او مونودراما، وأداها حينذاك "شوشو" (حسن علاء الدين). وما يلفت النظر هنا هو كون محفوظ أول الداعين إلى الابتعاد عن اللغة الشعرية في المسرح، وهو الشاعر، وأول من خطا في لبنان الخطوة الحاسمة لفصل النوع المسرحي عن النوع الأدبي. وهو برأي الناقدة خالدة سعيد، كاتب أول مسرحية قابلة للعرض على الخشبة، تتعامل مع القضايا والمواقف الإنسانية والفكرية التي صدرت عنها الحركة الحديثة، من دون أن يجيء ذلك من خلال العبارة الأدبية والتعبير المجرد، بل من خلال المشهد والموقف المسرحي وبناء الشخصية وعلاقات الشخصيات في ما بينها وبناء المشاهد. وتجربة محفوظ الفريدة في لبنان، جعلت الكاتب أسامة العارف يقول: "قبل محفوظ كان النص المسرحي أدباً يتوقف على باب المسرح ولا يدخله"...
بحسب العارفين والمواكبين لمسيرة عصام محفوظ، فقد دفعته هزيمة حزيران الى هجران الشعر والتحول الى المسرح، وأتت الحرب اللبنانية لتصدمه وتجعله يغادر المسرح وينصرف إلى الصحافة. وبعد صدور مسرحية "قضية ضد الحرية" (1975)، وعند اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، غادر محفوظ بيروت إلى باريس حيث أقام حتى العام 1981. وعلى الرغم من نشره العام 1984 مجموعة "مسرحيات قصيرة" ثم مسرحية "التعري" (2001) إلا أنه كان فعلياً قد فقد اندفاعه لدور المسرح التغييري عقب تجربة الحرب ونتائجها.
وبعد نهاية الحرب اللبنانية، قُدمت مسرحيات محفوظ بأساليب متنوعة، من قبل طلاب ومخرجين لبنانيين، منهم عبلة خوري، لينا أبيض، لينا خوري، وشارل ديك وغيرهم... ولم تنج مسرحية "لماذا رفض سرحان سرحان ما قاله الزعيم عن فرج الله الحلو في ستيريو 71؟" التي قدمتها لينا خوري قبل مدة في مسرح الجامعة اللبنانية الاميركية، من التحريض الطائفي من اجل منعها بحجة أنها تمس المقدس...
(*) دعا برنامج انيس المقدسي للآداب ـ الجامعة الاميركية في بيروت، مركز التراث اللبناني ـ الجامعة اللبنانية الاميركية، مسرح المدينة ـ بيروت، الى لقاء خاص حول "عصام محفوظ بين لغة الشعر ولغة المسرح"، لمناسبة الذكرى العاشرة لغيابه، وذلك في قاعة بطحيش ـ الوست هول ـ الجامعة الاميركية في بيروت، الساعة 6،00 مساء الاربعاء 3 شباط/فبراير2016.
وفي البرنامج:
أي «غودو» كان ينتظر؟ (هنري زغيب)، «مسيرته» في مجلة «شعر» (عبده وازن)، "لا.. لم يكن عبثياً" (عبيدو باشا)، قراءات من قصائده (جهاد الأطرش)، اسكتش «أم عبد الله» ـ نضال الأشقر ورفيق علي احمد، و"عصام محفوظ كما أتذكره" (نضال الأشقر).