ليس دفاعاً عن نصير شمة

منال الشيخ

الإثنين 2017/03/20
خلال السنوات الأخيرة، تحديداً منذ بدء "الربيع العربي"، بدأت تظهر مجاميع بشرية في الوسط الأدبي والفني لا شغل لها سوى الصيد في الماء العكر، أمام هدم  فكرة الديكتاتور الأوحد، الذي بدأ في تونس ولن ينتهي في سوريا، وصار بالإمكان الحلم مجدداً بنظام حكم إنساني هو من حق الجميع حتى لو لم يتحقق. وأمام هدم فكرة الدولة البوليسية، يقتات البعض على نُتف هنا وهناك لربما يستطيعون إعادة بعض الهيبة للفكرة المهزومة. ومن هذه "النتف" التي يعتاش عليها هؤلاء، هو تصيّد كل مبدع معروف من دون التأكد أو حتى الرجوع إليه في حال وجود شك.


وهذا ما حدث مؤخراً مع الموسيقي العراقي نصير شمّة، إثر ظهوره في صورة مع السفير الإسرائيلي في باريس، أثناء حفلة لمنظمة اليونيسكو ومنح الموسيقي العراقي، لقب "فنان اليونيسكو للسلام".. عندما نشر السفير الاسرائيلي كلاماً لا صحة له على لسان شمّة بأنه سيكون سعيداً بزيارة اسرائيل وإقامة حفلة فيها. وهذا ما نفاه شمّة فوراً في فيديو نشره في صفحته في "فايسبوك"، مكذباً كل ما جاء على لسان السفير. موضحاً الحالة التي التقطت فيها الصورة وعدم علمه بوجود سفير إسرائيلي في حفلة تكريمه كفنان للسلام وسط العشرات من المدعوين.

اللافت في الحادثة هو تسارع هذه الفئة في نشر كلام غير صحيح عبر شخص لا يمكن الوثوق في كلامه من دون العودة إلى المصدر. كان هناك هجوم منظم على شمّة، لم يقتصر على "الممانعين" العرب، وهو أمر مفهوم بالنسبة إلي، على خسّة مواقف البعض أحياناً، بل على بعض العراقيين أيضاً، الذين وجدوا في الحادثة فرصة للحطّ من شأن الفنان والطعن في تاريخهِ. وهذه عادة عراقيين كثر، خلال العقدين الأخيرين، إذ يمارسون وبكل عنف المزايدة على من يختلفون معهُ أو من لا يوافق مزاجهم "الوطني" والطائفي والسياسي.

إن الهجوم العنيف الذي يطاول المبدع في مثل هذه الحالات، يخرج أحياناً على أعراف النقد والمساءلة، بل تكال التُهم تباعاً بلا سند، ويرسم البعض صورة مستقبلية لهذه العلاقة تصل حد خيالات مريضة لا يمكن أن يفكر فيها إنسان سوي.

الجانب المعتم الآخر لمثل هذه الحوادث هو ردود أفعال الأطراف المعنية، وأعني هنا بعض الفلسطينيين والعراقيين، بما أن الفنان عراقي. لن أتكلم عن رد فعل بعض الفلسطينيين إذ أنني لستُ في موقفهم لأتفهم الصدمة. لكني استطيع الحديث عمّا لمسته من العراقيين. باستثناء بعض المتعقلين الذين تناولوا الموضوع، فلم تكن كل التعقيبات من الجانب العراقي متوازنة كما نأمل، إذ جاءت متوترة ومتعجلة في التسفيه من قضية التطبيع والتقليل من شأن القضية الفلسطينية. بحجة أن بعض الفلسطينيين شاركوا في قتل العراقيين بالإنضمام إلى القاعدة وداعش اللذين يقتلان الشعب العراقي بشكل يومي باسم الدين والمذهب. وهذا خطاب ساهمت في ترسيخهِ رؤوس النظام الطائفي الفاسد وقواد الأحزاب الدينية المُستغلة لجهل الكثيرين. إن انضمام عدد من الفلسطينيين لا يعني تعميم الفكر الإرهابي على الأغلبية، كما لا يمكن التعامل مع كل القضايا بطريقة (الخير يخص والشر يعم).

حادثة صورة الفنان نصير شمّة والسفير الإسرائيلي، تطرح أمامنا تساؤلات كثيرة وسط زحمة الأزمات العربية؛ أين موقع القضية الفلسطينية بين هذه الأزمات؟ ما الذي ينتظر شعباً يواجه مصيرهُ وحيداً بعدما انشغلت الدول بمصابها الداخلي؟ هل هو زمن الفردانية فعلاً في مواجهة القرار والمصير؟ أم ما زال هناك أمل في إعادة تشكيل المقاومة الجماعية الحقيقية؟ في ظني، هذه الأسئلة وغيرها، يجيب عليها الشعب الفلسطيني وحده. وواجبنا تجاهه أن نحتفظ بمواقف غير قابلة للمهادنة، بعدما فشلت فكرة العروبة والقومية التي كانت وما زالت ورقة الديكتاتوريات في استمرارها. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024