ضحايا العنف الزوجي في فرنسا: 123 امرأة و34 رجلاً

محمد السعدي

الأحد 2017/09/10

خلال العام 2016، بلغ عدد قتلى "جرائم الغرام" في فرنسا 123 امرأة و34 رجلاً، بمعدل امرأة كل 3 أيام ورجل كل 11 يوماً. ذلك ما أورده، في مطلع أيلول 2017، التقرير السنوي الصادر عن وزارة الداخلية، الذي أوضح أن معظم الجرائم حصلت جراء رفض تقبُّل أحد الطرفين حالة انفصال أو طلاق. وأشار إلى ارتفاع تلك الجرائم بنسبة 9% بالقياس إلى 2015 (122 امرأة و22 رجلاً قتلوا خلالها).

وأورد التقرير أن 37% من مرتكبي جرائم القتل كانوا معروفين لدى السلطات بسبب حالات عنف ماضية، من بينهم رجل حكم عليه 45 مرة في السابق لضربه زوجته. وبين النساء الـ123، تم قتل 109 منهن من جانب أزواجهن أو رفقائهن "الرسميين"، والـ14 الأخريات من جانب عشاق أو عشيقات. أما الرجال الـ34، فقتل 28 منهم من قبل زوجاتهم أو رفيقاتهم، و5 من جانب عشيق أو عشيقة أو علاقة عابرة، بينما قتل واحد من طرف عشيقه.

وتورد احصائيات الاتحاد الأوروبي أن العنف الزوجي والعائلي يشكل، في بلدان الاتحاد، السبب الأول للوفيات والإصابات الجسدية لدى الفتيات والنساء بين سني 16 و44، وأن ثلث جرائم قتل النساء من جانب أزواجهن أو رفقائهن ترتكب طعناً بسلاح أبيض، وثلثاً آخر بإطلاقات نارية، فيما يعود خُمس الحالات للخنق وعـُشرها للضرب حتى الموت.

في فرنسا وغيرها من دول الغرب، كانت الفكرة السائدة تنصبّ على حصر آفة العنف الزوجي على الطبقات المعوزة، جراء البطالة وقلة التحصيل العلمي والإدمان على الخمر. لكن، تبين من دراسات مستفيضة أن نسبة الكوادر العليا تحتل المرتبة الأولى بين الأزواج العنيفين الأوروبيين، الثلثين على وجه التحديد. يأتي بعدهم موظفو القطاع الصحي (من أطباء وذوي مهن طبية)، ثم ضباط سلكي الجيش والشرطة. ويتضح من تلك التحقيقات أن نصف من يعتدون على زوجاتهم أو رفيقاتهم بالضرب هم من حملة الشهادات الجامعية.

هكذا، في آب 2003، ذهل الفرنسيون لتلقي خبر مقتل الممثلة ماري ترانتينيان ضرباً على يدي شريك حياتها، الموسيقي ومغني الروك بيرتران كانتا، في ڨيلنيوس، عاصمة لتوانيا، حيث كانت تصور فيلماً عن الكاتبة كوليت. فنشب شجار بينهما، وأفاد المغنّي أنه صفعها، فسقطت وفقدت الوعي. لكن تحليل الطب العدلي أثبت أن جسمها حمل ضربات عنيفة عدة. فانتبه مواطنوهما إلى حقيقة مروعة: عنف الأزواج ليس سائداً عندهم فحسب، بل يطاول الفئات الاجتماعية كافة... حتى الفنانين، المفترض أنهم مرهفو الحس ورقيقو المشاعر.

ومن الأفكار الخاطئة الأخرى، تلك التي توجه إصبع الاتهام إلى رجال بلدان جنوب أوروبا في ميدان التعامل الفظ، والميل إلى التسلط على النساء. فرومانيا تتصدر جرائم قتل النساء بسبب العنف الزوجي، تأتي بعدها دول عرفت باحترام حقوق المرأة: فنلندا والنرويج ولوكسمبورغ، ثم الدنمارك والسويد. أما إيرلندا وإسبانيا وإيطاليا، وهي بلدان كاثوليكية، فتحتل المراتب الثلاث الأخيرة في ميدان عدد الضحايا السنوي نسبة إلى عدد السكان.

لكنّ عدد جرائم القتل لا يعكس حجم ممارسة العنف اليومي "الاعتيادي"، الذي لا يؤدي إلى الوفاة إنما يترك أضراراً نفسية جسيمة، وأحيانا إصابات جسدية وتشوهات. من هذا المنظور، تتصدر البرتغال القائمة. ففي استطلاع أجري قبل سنوات، صرحت أكثر من نصف البرتغاليات (52.6%) أنهن تعرضن للضرب أو العنف الزوجي أو المنزلي على الأقل مرة واحدة في العمر. ويفند ذلك ادعاءات أن حالات العنف الزوجي تطال المهاجرين، مثلاً الجالية التركية في ألمانيا، والمغاربية في فرنسا، أو الباكستانية والهندية في بريطانيا. فالبرتغال ليس من البلدان "المستوردة" لليد العاملة. على العكس، هو الذي "يصدّر" المهاجرين، بحيث تشكل الجالية البرتغالية في فرنسا أول جالية أجنبية عدداً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024