"نساء وراء القضبان"..52% من السجينات يتعرضن للتعذيب خلال التحقيق

إلهام برجس

الخميس 2015/04/16

الصدمات الكهربائية، التجريد من الحجاب أو الثياب بالقوة، النوم على الأرض، الإجبار على الوقوف لفترات طويلة تصل الى 12 ساعة على التوالي، هي بعض أشكال التعذيب الجسدي الذي تتعرض له النساء في مراكز التوقيف وخلال مرحلة التحقيق. تُفصّل الدراسة التي أطلقها اليوم "المركز اللبناني لحقوق الإنسان" بعنوان "نساء وراء القضبان" أشكال التعذيب الجسدي، والنفسي أيضاً. ويتراوح التعذيب النفسي بين التخويف من التعذيب، مروراً بالإذلال والإهانة، وصولاً الى أساليب التهديد والتخويف التي قد تصل إلى التهديد بالتعرض لأفراد أسرة السجينة. وفقاً لهذه الدراسة فإن نسبة السجينات اللواتي تعرضن للتعذيب خلال فترة التحقيق تصل إلى 52%.

"تم إقتيادي الى غرفة صغيرة قرب نقطة التفتيش.. تعرضت للإهانة ورفعوا حجابي.. أرادوا الحصول على معلومات حول جريمة، وهددوني بأخذ أطفالي إن رفضت الكلام". يوثق التقرير هذه الحالة التي حصلت خلال شهر أيلول من العام 2014، بالإضافة الى العديد من حالات التعذيب الأخرى. فلوسيان، مثلاً، وهي فتاة كاميرونية، بقيت إثر تركها لمنزل مشغلها على خلفية تعرضها للضرب، ثلاثة أسابيع في مركز الشرطة داخل زنزانة لا تتمكن داخلها من الوقوف والتحرك في المساحة المتاحة لها. وعندما نُقلت إلى مركز الإحتجاز التابع للأمن العام "تركتها احدى الموظفات عارية في إحدى الغرف بحجة التفتيش".

"يتخذ التعذيب بعده الجندري بوضوح في مراكز الإعتقال والتحقيق"، يقول الأمين العام لـ"المركز اللبناني لحقوق الإنسان" وديع الأسمر خلال حديث مع "المدن". يؤكد الأسمر حدوث حالات إغتصاب، "وهي موثقة بشهادات". غير أن "الإمتناع عن إجراء فحوص طبية للسجينات بعد التوقيف، وعدم التعامل مع شكاويهن من التعذيب، يعرقل إثبات الحالات". كما يؤدي هذا الواقع الى تحصين من يقوم بالتعذيب. "والعقوبات يجب أن تكون جزائية، ذلك أن الإكتفاء بالعقوبات المسلكية أمر مرفوض في قضايا التعذيب". يضيف الأسمر :"التعذيب يحصل خلال فترة التحقيق، أي من جانب الشرطة القضائية وهي تابعة للقضاء ولا علاقة لوزارة الداخلية بها. الأمر الذي يمنع الوزارة من التدخل في هذه المسألة مقابل تهرب قضائي من مواجهتها".

ويشرح التقرير التعديات التي تتعرض لها النساء منذ لحظة إحتجاز حريتهن. فالتقرير لا يتعامل مع الحالات التي صدرت فيها أحكام بالسجن على المتهمات، بل مع المعتقلات تعسفياً. ويكون الإعتقال تعسفياً متى تحققت حالة من ثلاث. وبهذا المعنى، يعتبر "الإعتقال بغياب أي أساس قانوني يبرر الحرمان من الحرية"، تعسفياً. وكمثال على ذلك "الإحتجاز الإداري الذي يتم بقرار من جهاز أمني، من دون أي رقابة قضائية". وأكثر من يتعرض لهذا النوع من الإحتجاز، هن "النساء الأجنبيات اللواتي يعتبرن مقيمات بشكل غير شرعي في لبنان"، كما في حالة ترك العاملة الأجنبية لمنزل كفيلها. وهن يبقين محتجزات حتى عودتهن الى بلدانهن.

كما يعتبر تعسفياً "إعتقال شخص لممارسته الحقوق والحريات المكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". ويترجم هذا التعدي من خلال "إحتجاز الأجانب على قاعدة التمييز على أساس الجنسية". فعند حصول مواطن لبناني على إخلاء سبيل في اليوم نفسه من إنتهاء مدة عقوبته يخرج الى حريته. في المقابل "يبقى الأجنبي قيد الإحتجاز الطويل الأمد بعد إخلاء سبيله، وذلك ريثما ينظر الأمن العام في وضعه القانوني". أما الفئة الثالثة من الإحتجاز التعسفي فتكون من خلال "إعتقال شخص نتيجة لمحاكمة لا تتوافق مع معايير المحاكمة العادلة المكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من الإتفاقيات الدولية المتصلة". كأن يحتجز شخص مؤقتاً لفترات طويلة. وكمثال على ذلك، يذكر التقرير إعتقال السيدة مرعي لـ30 شهراً تبين في نهايتها أنها لم تعرف خلالها التهمة الموجهة إليها.

وفي الغالب، يترافق الاحتجاز التعسفي بأساليب تعذيب متعددة منذ اللحظة الأولى من الإعتقال. يبين التقرير أنّ "الهدف من التعذيب في 60% من الحالات هو الحصول على إعترافات من المرأة المُحتجزة، وفي 40% منها الحصول على أنواع أخرى من المعلومات كالأسماء أو المراكز".

مجموعة من التوصيات يطرحها التقرير للحد من هذه الأزمة الإنسانية. فبالإضافة الى الحد من إنتهاك القوانين المرعية الإجراء، يجب "تعديل قانون 1926 الخاص بالدخول والخروج من الأراضي اللبنانية، وإلغاء نظام الكفالة الذي يؤدي الى انتهاكات خطيرة والى التمييز ضد النساء المهاجرات". كما يؤكد التقرير على ضرورة التأكد من إدعاءات المحتجزات حول تعرضهنّ للتعذيب أو أي تعامل تمييزي على أساس الجندر أو بإتباع القسوة. ويجب بعد التأكد من هذه الشكاوى، الإكمال نحو معاقبة الفاعل كما يجب. أما على المستوى التشريعي، فمجلس النواب مطالب بطرح مشروع قانون تجريم التعذيب للتصويت عليه.

يعتبر الأسمر أن المنطق السائد يتعامل مع التعذيب كـ"آلية من آليات التحقيق أو العقاب"، وهو أمر يصفه بالخطير جداً. وهو في هذا الإطار ينفي وجود قرار سياسي بالتعذيب، بل "غطاء سياسي له يترجم بغياب الملاحقة المسلكية والجزائية على حد سواء".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024