مكتومو القيد في لبنان: عشرات الآلاف بلا جنسية

رنيم البزري

الثلاثاء 2014/12/09
ليس انتماء فرد إلى جماعة مسألة بديهية كما قد يظن. وهذا "الشعور"، الاختياري، بالإنتماء ليس متاحاً للجميع، حتى في لبنان. اذ يعيش فيه "سكان" لا يملكون الحق بالحصول على جنسيته، وإظهار إنتمائهم إليه، و"الفوز" بلقب "مواطن". انهم "مكتومو القيد"، على ما درجت تسميتهم، وهم لا يملكون ورقة من مختار أو هوية ممغنطة تؤكد أنهم لبنانيون، أو أنهم أحياء "رسميون"، يحق لهم ما يحق لغيرهم من حقوق مدنية. وهم يورثون أوراقهم المفقودة هذه الى جيل جديد مكتوم القيد أيضاً.

 

بحسب جمعية "رواد فرونتيرز"، المعنية بهذه الحالات، مكتومو القيد، وفق القانون الدولي، "أشخاص لا جنسية لديهم ولا يعتبرون مواطنين في أي دولة. أما في لبنان، فيتوزعون على فئتين بشكل عام. فئة الأشخاص الذين يحمل أباؤهم أو أصولهم جنسية ما ولديهم قيود الا أن ولاداتهم غير مسجلة، وبالتالي هم بحكم غير الموجودين بالنسبة للسلطات. وفئة الأشخاص الذين يتحدرون من أصول عديمة الجنسية تاريخياً، أي أن أصولهم لا تحمل جنسية لأسباب متعددة".

والحال أن لبنان يفتقر الى احصاءات ودراسات مسحية حول هذه الفئة، اذ "أنجز آخر احصاء سكاني شامل في العام 1932، ولم تقم الدولة اللبنانية يوماً باحصاء مكتومي القيد"، وفق برنا حبيب من "رواد". وقد أوكلت الجمعية إلى مؤسسة بحثية متخصصة القيام بدراسة مسحية مبدئية شملت ما يزيد عن نصف المناطق العقارية في لبنان، وقدرت حجمهم بـ"بضعة عشرات الآلاف"، يضاف اليهم حوالي 28 ألف شخص من حملة جوازات إقامة من فئة "قيد الدرس" مسجلين في سجلات الأمن العام. "وبالتالي يمكن للعدد أن يكون أكبر من ذلك في حال حصول أي مسح رسمي شامل".

وتمكنت هذه الدراسة، التي لم تنشر بعد، من تحديد الأسباب الكبرى لكتمان القيد في لبنان المرتبطة بأسباب تاريخية وأخرى ذات طابع اداري. لكن "النتيجة الأبرز التي خرجت بها هي الروابط المتينة في لبنان بين الغالبية الساحقة من أفراد العينة التي شملتها الدراسة، والتي تتألف من حوالي 1000 شخص عديم الجنسية، حيث أن ما يزيد على 90 في المئة منهم مولودون في لبنان ومن أم لبنانية، وهي روابط لا بد من النظر اليها عند البحث عن حلول لهذه الفئة"، وفقها.

 

مهمشون اجتماعياً

تزوجت ناديا حمزة من حسن سكان، عديم الجنسية، وهي لم تكن قد سمعت من قبل بما يسمى بمكتومي القيد. "عندما تزوجت لم تكن الدولة في حالة نظام تسمح لها بالالتفات الى من يملك أوراقاً ثبوتية ومن لا يملكها، لكنها عندما التفتت كان الوقت قد فات". تضيف: "اليوم أنا أم لطفل مهدد، اذ أنه بمجرد أن يبلغ الثامنة عشر من العمر يتوجب عليه دفع 200 دولار للأمن العام لتجديد اقامته سنويا". 

"نحن محرومون من الضمان، وبالتالي من الطبابة ولو بجزء بسيط منها، كذلك من التعليم الرسمي. هذا ما دفعنا الى متابعة الموضوع مع الأمن العام حيث قدمنا طلب الحاق، لكن زوجي تعرض الى حادث وهو اليوم غير قادر على متابعة الملف بشكل مستمر، لذا قد تكون الهجرة أفضل الحلول وضماناً لمستقبل ابني"، وفق ناديا.

وهذا ما يجعل هذه الفئة من أكثر الفئات تهميشاً في لبنان، ليس على مستوى الحقوق المدنية والسياسية، فحسب، بل أيضاً في ما يخص الحقوق المعيشية. فهم "لا يتمكنون من الدخول في عقود عمل تحمي حقوقهم كعمال ولا يستفيدون من الضمان الاجتماعي، الا انهم في المقابل عرضة للمعاقبة في حال ارتكبوا أي فعل يعاقب عليه القانون"، وفق حبيب.

 

10 سنوات للقضاء على "انعدام الجنسية"

وتكتفي هذه الفئة بـ"إفادة تعريف" من مخاتير المناطق التي يسكنون فيها، "بحيث يمكنهم استخدامها في بعض المجالات، الا أنها لا توازي مستنداً ثبوتياً ذا قيمة قانونية"، وفق حبيب. لكن قبل ذلك كان يمكن للمختار اصدار بطاقة تعريف مرفقة بصورة شخصية، غير ان المديرية العامة للأحوال الشخصية أوقفت العمل بها، ونقلت هذه الصلاحية الى الأمن العام، الذي قام بدوره بإلغائها بعد فترة وجيزة.

وكانت "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" قد أطلقت مؤخراً حملة عالمية بهدف "القضاء على انعدام الجنسية" خلال 10 سنوات. الا ان هذا لن يتحقق من دون مشاركة والتزام الدول المعنية. تقول حبيب: "نحن نأمل، من خلال مبادرات تقوم بها الجمعية بالتعاون مع المفوضية والسلطات اللبنانية المعنية، أن نتوصل الى الوقاية من ظهور حالات انعدام جنسية جديدة، ووضع حد للحالات المتراكمة تاريخياً، بقدر الامكان. وهذا يعتمد بالطبع على نية السياسيين وعلى العمل الجدي والمركز، والمثابرة من قبل المجتمع المدني".

 

مكتومو قيد سوريون؟

على أن الأزمة السورية تعيد طرح احتمال تزايد هذه المشكلة وليس التقليل منها، أقله، على المستوى الاقليمي. "فلا شك أن هذه الأزمة قد تنتج أرقاماً كبيرة من مكتومي القيد"، يقول ابراهيم القاسم المستشار القانوني لـ"جمعية احقاق". والحل الوحيد يبقى في "ايجاد سجلات خاصة بالسوريين في الأحوال الشخصية اللبنانية، وهنا يبدأ دور المفوضية بالتعاون مع السلطة اللبنانية في الوصول الى الأفراد الذين لم يسجلوا حالتهم بعد وتسجيلهم، بما في ذلك عقود زواجهم ومواليدهم، على أن يتم اعتماد هذه السجلات من قبل الحكومة السورية فيما بعد".

لكن هذا الحل لن يكون بعيداً عن القرارات السياسية، وهذا ما يشير إليه القاسم، إذ "حاولنا الاتصال أكثر من مرّة بوزارة الشؤون الاجتماعية لمقابلة الوزير رشيد درباس لكن من دون جدوى"، مع العلم أن درباس أظهر في غير مناسبة اهتماماً شديداً بقضية اللاجئين السوريين.

أما "رواد" فتعتبر أن "اللاجئين السوريين لا يدخلون ضمن مكتومي القيد اللبنانيين، حيث ان اشكاليتهم تتعلق في الغالب بتسجيل الولادات، ما قد ينعكس على امكانية اثبات جنسيتهم السورية في ما بعد. وهم في لبنان يعاملون كغيرهم من الأجانب من حيث تسجيل ولاداتهم، إلا أن السلطات اللبنانية أبدت بعض المرونة في هذا الاطار من خلال القبول استثنائياً بوثائق ثبوتية للأهل لا تُقبل بالنسبة للأجانب الآخرين".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024