شجرة التنابل في طرابلس: جلسة مستمرة منذ 150 سنة

بشير مصطفى

الخميس 2018/01/11

في حديقة المنشية وسط طرابلس شجرة معمرة ليست كغيرها من الأشجار. إنها "شجرة التنابل"، كما يُحب أن يسميها كبار السن.

يعود تاريخ هذه الشجرة العملاقة إلى نحو 150 سنة، عندما قرّر نوفل بيك تقديم قطعة الأرض المحاذية لقصره إلى الدولة العثمانية من أجل إقامة حديقة عامة. وتشير اللوحة الموضوعة على مدخل "المنشية" أن بناء هذه الحديقة وتسويرها وفق الصيغة الحالية تم في العام 1923 في عهد رئيس البلدية خيرالدين بك عدرة.

يتحلق حول هذه الشجرة كبار السن، جنباً إلى جنب مع مجموعة من الأشخاص الذين لم يسعفهم الحظ في سوق العمل والمتقاعدين. ويفضل رواد الشجرة الجلوس على الأسطوانات الخشبية الموضوعة عند جذعها، بدلاً من الكراسي الخشبية ذات اللون الأخضر التي خصصتها البلدية لعموم الزوار.

تتمتع هذه الشجرة بشهرة واسعة في الأوساط الشمالية. ويشهد جذعها العريض جداً على سني عمرها المديد. وقد تأكد ذلك في العام 1989، عندما هبت رياح شديدة سقطت في إثرها الشجرة. ويؤكد كبار السن أن سقوطها أدى إلى تشقق الزفت على مسافة 50 متراً منها حتى قهوة الروضة المقابلة للقصر البلدي.

ولا تشهد هذه الشجرة على العصور التي مرت وأصالة المكان فحسب، إنما أيضاً على قصص الحب التي حُفرت بالأحرف الأولى لأسماء العشاق. وهي تتحول إلى فسحة للنقاش في السياسة والمجتمع والإقتصاد، وتختزل مواضيع الساعة وقصص "الجدران الأربعة". فيما يعتقد البعض أنها تسمع شكاويهم وتحفظ الأسرار.

يقول خليل زيلعي، وهو رئيس شرطة البلدية السابق، إنه يقصد هذه الشجرة للقاء مختلف الفئات الاجتماعية. إذ تدور تحتها نقاشات حول التطورات في البلد ونقد التجاوزات التي تقوم بها السلطات الرسمية. وعلى خلاف السجالات السياسية، فإن هذه اللقاءات غالباً ما تنتهي حبية وبإتفاق على اللقاء في اليوم التالي.

وتشكل هذه الشجرة استراحة لقاصدي طرابلس من مناطق الضواحي في عكار والضنية. فهي المكان المفضل لتناول "فنجان قهوة صب" مع سيجارة عربية من عند أبو محمد الشعار. ويتواصل تقاطر الزوار إلى محيط "شجرة التنابل" خلال الفترة التي حددتها البلدية، وهي ممتددة من السابعة صباحاً وحتى السادسة مساءً، بعدما كانت تفتح أبوابها 24/ 24 ساعة.

يعترف الزوار بفضل هذه الشجرة عليهم. فهي ظلٌ وفير يقي من أشعة الشمس الحارقة صيفاً، ومن أمطار الشتاء. ويؤكد محمود الحلبي أنه كان يتسلق أغصانها ليأخذ القيلولة، وهو لم يتأخر يوماً عن جلساتها منذ كان في الخامسة من عمره.

مؤخراً، بدأ رفاق الشجرة بالشكوى من تعطل سبيل الماء الموجود في ظل الشجرة، الذي كان يروي العطشى من كائنات بشرية وحيوانات أليفة. ويعتقد الرواد أن تعطل هذا الصنبور مؤشر على نوعية الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024