التغيير الديمغرافي في سوريا.. بالأرقام

رولا عطار

الأحد 2016/12/11

لم يعد خافياً ما حصل ويحصل من تغيير ديمغرافي في التركيبة السكانية داخل سوريا. هذا التغيير الذي ازدادت وتيرته خلال الفترة الماضية في عدد من المناطق والمدن والمحافظات السورية. هنا، تقرير أطلقه المركز السوري لبحوث السياسات، تحت عنوان "التشتت القسري: حالة الإنسان في سوريا"، يوثّق ذلك بالأرقام.

بلغت نسبة النازحين الذين غادروا أماكن إقاماتهم الأصلية نتيجة الأزمة لغاية منتصف 2014، وفق التقرير، نحو 25% من إجمالي عدد السكان الموجودين داخل سوريا. وتبين النتائج أن الإناث يشكلن 57% من إجمالي النازحين في سوريا، وتجاوزت هذه النسبة 70% في بعض أحياء دمشق، مثل حي تشرين. وتجاوزتها في مناطق زاكية والتل في ريف دمشق، ومركز السلمية في حماة، ودريكيش في طرطوس، والقريا وشهبا في السويداء. إضافة إلى غباغب والحراك في درعا. بينما بلغت نسبة الإناث 51% من إجمالي السكان المستقرين مكانياً، مع العلم أن نسبة الإناث في سوريا قبل الأزمة أي عام 2010 بلغت نحو 49%. وقد أدت الأزمة إلى ارتفاع نسبي في عدد الإناث، وخصوصاً لدى النازحين. ويمكن تفسير ذلك بعوامل عدة، منها انخراط الذكور في الأعمال القتالية، وارتفاع عدد الضحايا المباشرين للأزمة من الذكور، وهجرة الذكور ولاسيما الشباب بحثاً عن ظروف معيشية أفضل أو للابتعاد عن الانخراط في القتال. إضافة إلى الأعداد الكبيرة من المعتقلين والمفقودين من الذكور. يضاف إلى ذلك أن العدد الأكبر من اللاجئين خرجوا من محافظة حلب، وخصوصاً من المناطق الساخنة، التي شهدت عمليات قتالية واسعة، مثل السفيرة والأتارب وحريتان، وقد بلغت نسبتهم نحو 32.5 % من إجمالي عدد اللاجئين لغاية العام 2014.

وتأتي درعا في المرتبة الثانية بين المحافظات من حيث عدد اللاجئين الذين خرجوا منها والبالغة نسبتهم نحو 11% من إجمالي اللاجئين، إذ شهدت مناطق جاسم وداعل وازرع وخربة غزالة موجات كبيرة نسبياً من اللجوء نتيجة احتدام العمليات القتالية وغياب الاستقرار. وبشكل مماثل، إضطر العديد من سكان درايا وقطنا ويبرود ودوما وغيرها من مناطق ريف دمشق إلى طلب اللجوء هرباً من القتل والاقتتال وانتشار العنف وتدهور ظروف المعيشة، لتبلغ نسبة اللاجئين من ريف دمشق نحو 10.5% من الاجمالي.

العادات
في المقابل، سجلت نسبة اللاجئين في عدد من المحافظات أرقاماً منخفضة من إجمالي اللاجئين كون بعض هذه المحافظات مستقرة نسبياً، مثل اللاذقية وطرطوس والسويداء.

وشملت حركة النزوح داخل سوريا المحافظات كلها مع اختلاف شدتها وكثافتها من حيث حركة النازحين من وإلى المنطقة والمحافظة. وتبين النتائج أن نحو 30% من إجمالي عدد النازحين نزحوا من محافظة حلب، تلتها محافظة ريف دمشق بنسبة 23%، ثم دمشق بنسبة 9%. ويمكن تفسير ذلك بما شهدته هذه المحافظات من اشتداد الأعمال القتالية في عدد من المناطق، إضافة إلى غياب الأمن وسيادة القانون وتردي الأوضاع المعيشية. وقد تركز نحو نصف سكان سوريا فيها.

وتلعب فترة النزوح دوراً كبيراً في إعادة تشكيل الخريطة السكانية لسوريا، إذ إن استقرار مجتمع النازحين في منطقة ما لفترة طويلة يحمل معه العادات الإقتصادية، الانتاجية والاستهلاكية، والتقاليد الاجتماعية والثقافية لهذا المجتمع، التي يمكن أن تتماشى أو تصطدم مع عادات المجتمع المضيف.

وتبين النتائج أن فترة النزوح لنحو 80% من النازحين وصلت إلى أكثر من سنة و24% وصلت إلى أكثر من سنتين، بينما 1% فقط من النازحين لم تتجاوز فترة نزوحهم ثلاثة أشهر.

مرات النزوح
مع استمرار النزاع متجاوزاً عامه الخامس واستمرار مأساة النزوح ستتمدد فترات النزوح مع منع السكان من العودة إلى منازلهم، إما نتيجة الدمار أو عدم توافر شروط معيشية ملائمة مع غياب المؤسسات الشفافة والعادلة.

أما عدد مرات النزوح، التي تزيد مع اتساع رقعة النزاع المسلح والدمار، وتؤدي زيادتها إلى أعباء إضافية على النازحين، فتشير النتائج إلى أن أغلبية النازحين 85% نزحوا مرة واحدة فقط، 11% منهم نزحوا مرتين، 3% منهم نزحوا ثلاث مرات أو أكثر.

وتتفاوت حالة النازحين بين المناطق والمحافظات، وغالباً ما تتلاءم مع الوضع العام للمنطقة. فعلى سبيل المثال، أظهرت النتائج أن نحو 80% من أبناء النازحين في الرقة لا يلتحقون بالتعليم، لأن سلطة داعش الحاكمة في الرقة تفرض قيوداً على الالتحاق بالتعليم، على النازحين والمقيمين.

تجدر الإشارة إلى الدور المهم الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني ومنظمات الأمم المتحدة في توفير المساعدات الإنسانية للنازحين، لكنها تبقى أقل بكثير من حاجاتهم الفعلية.

الزواج والطلاق
وتشير النتائج إلى تراجع معدلات الزواج لدى 47% من السكان أثناء الأزمة. في حين أنها ازدادت لدى 27% منهم. و لم تتغير النسبة لدى 26% الباقية.

وهناك تفاوت كبير بين المناطق من حيث تأسيس أسرة في ظل الأزمة. فقد غلب تراجع واقعات الزواج في القنيطرة وطرطوس والسويداء واللاذقية ودمشق. وتباينت أسباب هذا التراجع في معدلات الزواج بين الهجرة وانخراط الذكور في العمل المسلح وارتفاع تكاليف المعيشة وغياب الاستقرار. بينما بلغت أعلى معدلات الزيادة في واقعات الزواج في كل من دير الزور وحمص ودرعا والحسكة وإدلب على التوالي. وتفاوتت أسباب الزيادة بين تراجع تكاليف الزواج، مثل المهر المنخفض في ظل الظروف الصعبة للأزمة وانتشار الزواج العرفي وتزويج صغيرات السن والزواج للخارج وتعدد الزوجات، وضغط القيم التقليدية والخوف على النساء، إلى جانب الضغوط المعاشية (التخفف من أعباء الإعالة)، خصوصاً في حالات النزوح واللجوء.

بينما لم تتغير معدلات الطلاق خلال الأزمة لدى 24% من السكان. وفسر ذلك من خلال نتائج المسح بمحاولة الحفاظ على تماسك الأسرة، رغم الظروف القاهرة للأزمة. بينما ازدادت معدلات الطلاق لدى 24% من السكان. وتعزى أسباب الزيادة إلى ظروف الأزمة والهجرة وتشتت الأسر وارتفاع تكاليف الحياة وزيادة المشكلات الاجتماعية والضغوط النفسية، إضافة إلى ظاهرة تعدد الزوجات. وبلغت أعلى نسب الزيادة في معدلات الطلاق في حمص ودمشق وحماة على التوالي.

إضافة إلى التغير فـي البنية الديمغرافية نتيجة الهجرة واللجوء والنزوح والوفاة، لعبت ظروف الأزمة دوراً حاسماً في السلوك الإنجابي حيث تعرضت الأسر والمجتمعـات إلى هـزة عميقة في ما يتعلق بالاستقرار وفقدان الأمان واليقين بشأن مستقبلها وطبيعة حياتها، وتعرضت ممتلكاتها للدمار وتآكلت مصادر الدخل بشكل كبير، كما أن الظروف المعيشية خصوصاً للنازحين أصبحت كارثية لناحية توافر المنزل والتدفئة والمياه والصرف الصحي والخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل الأمن الغذائي.

كذلك دفعت الأزمة وتداعياتها بكثير من السكان إلى مغادرة أماكن إقامتهم الأصلية من أجل تحقيق أمانهم النسبي والحصول على الحد الأدنى من السلع والخدمات التي تحفظ حياتهم وحياة أسـرهم.

وقد بلغت نسبة النازحين الذين غـادروا أماكن إقامتهم الأصلية نتيجـة الأزمة نحو 30% من إجمالي عـدد السكان الموجودين داخـل سوريا. وبلغت نسبة مـن غادر سـوريا مـن لاجئين ومهاجرين نحو 19% من إجمالي السكان لغاية عام 2015.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024