دان قزي لـ"المدن": الفقاعة العقارية ستنفجر

علي نور الدين

الإثنين 2017/07/17

لا يخفي دان قزي في كتاباته ومحاضراته نظرته المتشائمة لواقع السوق العقاري في لبنان ومستقبله، إلى حدّ التنبّؤ بإنهيار كبير قادم في أسعاره على طريقة "انفجار الفقاعات العقاريّة" في غيرها من البلدان. وتنتشر اليوم تحليلات قزي عبر محاضرات وكتابات على وسائل التواصل الاجتماعي، بما يختلف كثيراً عن التحليلات التي يحاول تسويقها اللاعبون الأساسيّون في السوق العقاري.

سيرته في المجال الإستثماري حفلت بمراكز متقدّمة في مؤسسات ماليّة مثل "دوتشيه بنك" و"جاي بي مورغن"، وصولاً إلى مركز المدير العام لبنك "ستاندرد تشاترد" في لبنان، ثم انتقل بعدها إلى العمل الإستثماري العقاري وأصبح محاضراً جامعيّاً في هذا المجال.

آراء قزي الجريئة والصريحة عن السوق العقاري كانت موضوع حوار "المدن" معه.

اشارات إقتصاديّة قاتمة
يشرح قزي بدايةً المؤشّرات الإقتصاديّة التي تنبىء بانفجار الفقاعة العقاريّة مستقبلاً، خصوصاً من خلال تحليل معادلة العرض والطلب. فبالنسبة إلى قزي "لنفهم اتجاه حركة الأسعار في المستقبل، علينا أن نفهم لماذا ارتفعت سابقاً إلى النقطة الحاليّة. فالطلب في الأصل تشكّل سابقاً من خلال ثلاثة مصادر: هناك أوّلاً المستثمرون الخليجيون الذين كانوا يوظّفون فوائض السيولة هنا، والمغتربون اللبنانيون الذين كانوا ينافسونهم في الشراء، وأخيراً الطلب المحلّي". ويشكّل المصدر الثالث الطرف الأضعف على المستوى المالي.

يضيف قزي: "تجّار البناء قاموا بضخ كثير من العرض المخصص للمصدرين الأوّلين من الطلب (الخليجيون والمغتربون)، وهذا الأمر جعل كثيراً من الأشخاص أغنياءً لفترة من الفترات. لكنّنا اليوم ومع انخفاض أسعار النفط بنسبة الثلثين، وصعوبة حصول اللبنانيين على تأشيرات فيزا إلى الخليج، تقلّص جداً الطلب القادم من الخارج من أوّل مصدرين".

وبإختصار "اختفى المستثمرون الخليجيّون والمغتربون من السوق. والدليل هو أنّ 90% من الطلب اليوم محلّي، و90% من هذا الطلب المحلّي يتم عبر قروض سكنيّة". ويشير قزي إلى أنّ نحو 80% من قروض الإسكان لم تعد معزّزة بدفعة أولى من المقترض، ملمّحاً إلى الأساليب المختلفة للتهرّب من شرط الدفعة الأولى لقروض الإسكان.

وينهي قزي فكرته عن عدم وجود الدفعة الأولى بعبارة "هذا بالضبط مفهوم قروض السابريم subprime loans"، في إِشارة منه إلى القروض عالية المخاطر التي كان لها دوراً كبيراً في حصول الانهيار العقاري في الولايات المتحدّة.

كيف تتشكّل الفقاعة العقاريّة؟
الكلام عن انفجار مقبل للفقاعة العقاريّة (أو انهيار للأسعار) يفترض أوّلاً وجود هذه الفقاعة الآن، أي وجود تضخّم حالي غير متوازن في الأسعار مقارنةً بالطلب الموجود. ويشرح قزي أنّه اختبر شخصيّاً عدّة فقاعات مثل الفقاعة العقاريّة في الولايات المتحدة ودبي وقبلهما فقاعة الـNasdaq Dotcom في التسعينات. فما هي العوارض التي تُظهر تشكّل هذه الفقاعة في حالتنا، وكيف تشكّلت؟

تظهر عوارض تشكّل الفقاعة، وفق قزي، عبر تضخّم القطاع بشكل غير متناسب وغير منطقي مقارنةً بالناتج المحلّي. فعلى سبيل المثال، واحدة من الإشارات التي تدل على وجود فقاعة هي تضاعف حجم السوق العقاري بشكل سريع في الماضي. كما يمكن قياسها بنسبة الأشخاص الذي تحوّلوا من أعمال اعتيادة فجأة إلى العمل في مجال البناء والسمسرة العقاريّة خلال تضخّم القطاع. أو عبر قياس عدد الأشخاص الذين يعملون في القطاع اليوم مقارنةً بعددهم قبل تضخّم القطاع.

وفي كل فقاعة تحدث في العالم، تسمع الكلام نفسه الذي نسمعه في لبنان اليوم عن احتمالات انفجار الفقاعة، مثل "الوضع هنا مختلف" و"لم يحدث انهيار للأسعار سابقاً". وهذا غير منطقي أبداً، وفق قزي. فلبنان يشهد كل 15 إلى 20 سنة تصحيحاً في أسعار العقارات مثل كل البلدان في العالم.

المخاطر على المؤسسات الماليّة
وفي سياق احتمالات انهيار السوق العقاري، تبرز مشكلة الترابط بين القطاعين المصرفي والعقاري، عبر مخاطر القروض المصرفيّة العقاريّة، بالإضافة إلى القروض السكنيّة، خصوصاً بالنظر إلى حساسيّة وضع القطاع المصرفي الذي يشكّل أحد أبرز مموّلي العجز في ميزانيّة الدولة.

يؤكّد قزي وجود ترابط كبير مباشر وغير مباشر بين القطاعين العقاري والمصرفي. وهذا سببه هو أنّ صنّاع السياسات في لبنان قاموا بربط ثلاثة قطاعات ببعضها بشكل وثيق: المصارف والعقارات والقطاع الرسمي، والنتيجة الأكيدة اليوم هي التخبّط.

وينتقد قزي بشدّة كل رزم الحوافز والقروض التي يقدّمها مصرف لبنان بالتعاون مع المصارف لمحاولة انعاش القطاع العقاري. فهي في رأيه "سيّئة، مثل الذي يعطي مسكّنات لمريض يعاني من سرطان ينتشر". هكذا، ينصح القطاع المالي بعدم الاستمرار بمحاولة تحدّي الانهيار الحتمي، فالآن أو لاحقاً عليهم التعامل مع الأزمة.

ويعتبر قزي أن هذه الحوافز والقروض "ببساطة تؤجّل المشكلة مؤقّتاً فحسب. وكلّما بقينا في حالة نكران للواقع ستكبر المشكلة وسيصبح من الصعب معالجتها. عليهم البدء بالتعامل مع هذا الوضع فوراً، وليس محاولة الابقاء على الأسعار على وضعها الحالي بشكل مصطنع عبر منح القروض".

ويشرح قزي كيف سيعمّق هذا الترابط بين القطاعين العقاري والمالي الأزمة. فعلى سبيل المثال أي شخص اشترى عقاراً بـ200 ألف دولار، عبر قرض مصرفي بالقيمة نفسها، سيتوقّف عن الدفع إذا انخفض ثمن العقار إلى 100 ألف دولار (لأن سعر العقار المرهون أصبح أقل من قيمة القرض نفسه بكثير). هكذا، سينضم العقار إلى العرض متنافساً مع الفائض الموجود أساساً في العرض، إنما بأسعار أقل بكثير.

وينتقد قزي صراحة تعميم مصرف لبنان رقم 427، الذي يسمح للمصارف بتشكيل صناديق عقاريّة لشراء العقارات من تجّار البناء المقترضين. فهذا التعميم، وفقه، يساعد ويشجّع المطوّرين العقاريين المفلسين على البقاء في السوق، والنتيجة هي إضافة المزيد من العرض إلى السوق بأسعار لا يمكن امتصاصها.

ينهي قزي هذه النقطة بالإشارة إلى أنّ تداعيات الأزمة اليوم ستكون مؤلمة. إذ كان يجب أن يتم تصحيح الأسعار منذ العام 2012. لكنّ محاولة الحفاظ على أسعار السوق العقاري بشكل مصطنع عمّقت الأزمة كثيراً، وجعلت نتائجها أصعب. والحل هو ببساطة فصل القطاعين الرسمي والمصرفي عن السوق العقاري الآن، وعدم الاقراض إلّا بعد حصول تصحيح في أسعار العقارات في السوق.

نصيحة إلى المشترين.. وتوقّعات
يرى قزي أن السوق يعاني من عدم وجود مصادر معلومات أو مراجع موثوقة للأسعار. لكنّ بعض المراجع قدّرت تراجع الأسعار منذ بدء الأزمة العقاريّة بـ18%، بينما قدّرها البعض كمعدّل بـ50%. لكنّ قزي يتوقّع أن تتراجع الأسعار بنسبة 50% من أسعارها اليوم. لكنّ هذا التراجع سيأخذ نحو 3 أو 4 سنوات ليكون واضحاً للجميع بمن فيهم أكثر المشككين باحتمالات تراجع الأسعار.

أمّا نصيحته للمشترين فهي الانتظار وعدم الشراء، ويستعمل المثل المعتمد في Wall Street "الانتظار حتى تصبح الدماء في الشوارع". وهي عبارة تعني الانتظار حتّى تنهار الأسعار إلى معدّلاتها الدنيا. وعن المدّة التي سيستغرقها هذا الانتظار، فهي إلى ما بعد العام 2020، حتّى تصل الأسعار إلى هذه الدرجة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024