قانون'حماية النساء' المشوّه.. تبريرات إضافية!

ناي الراعي

الإثنين 2014/04/21
لم يكن "تقريراً تقييمياً" الذي نشره النائب والمحامي غسان مخيبر تعليقاً على قانون "حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري" الذي أقر في الهيئة العامة لمجلس النواب في الأول من نيسان الحالي. بدا ما تقدم به مخيبر، الذي كان عضواً في اللجنة النيابية الفرعية التي ناقشت القانون وعدلتّه قبل مروره على اللجان النيابية المشتركة وبعدها الهيئة العامة، اقرب الى التبرير. 
على عكس ما أشار إليه في "تقييمه"، لا يشكل القانون بالصيغة التي صدر فيها "خطوة مهمة في اتجاه حماية المرأة من كل عنف". الحماية التي يقدمها القانون بالصيغة التي صدر فيها مجتزأة، مفرّغة، اذ عُمد الى "تمويه جوهره" عبر تعميمه ليشمل افراد الأسرة كافة، بحسب البيان الصحافي لـ"التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري" تعليقاً على إقرار القانون . البداية من البديهيات. 
أولاً، لا يشمل القانون بصيغته الحالية كل الجرائم الواردة في قانون العقوبات الللبناني والتي يمكن أن ترتكب داخل الأسرة  بحق النساء خاصة، كالضرب والإيذاء والتهديد وحجز الحرية والقدح والذم والتشهير. المادة 3 من القانون الحالي تحصر الجرائم المعاقب عليها بالتسوّل، الحضّ على الفجور، الحضّ على الدعارة، القتل والزنا. امّا الضرب والإيذاء، فحُصر تجريمه اذا حصل في معرض "استيفاء الحقوق الزوجيّة" اي الجماع. المفارقة هي في التعارض بين تعريف القانون للعنف الأسري وهو "اي فعل (...) ويترتب عنه قتل أو إيذاء جسدي أو نفسي أو جنسي أو إقتصادي"، وغياب تجريم واضح وعقوبة محددة لجرائم ينتج عنها اذى نفسي وجسدي وإقتصادي مباشر على النساء. ليست هذه المفارقة الوحيدة. ابقى القانون بصيغته المعدلة على المادة 674 من قانون العقوبات التي  تعفي مرتكب جرم "الإختلاس واساءة الأمانة" اذا كان من "الأصول او الفروع او الزوج او الزوجة"، ما لا ينسجم وتجريم الأفعال التي تنتج عنفاً إقتصادياً.
واذا كانت صيغة القانون كما خرجت من الهيئة العامة قد شددت العقوبات على عدد من الجرائم الواردة في قانون العقوبات كالقتل والدعارة، الا انها اقصت النساء من الحماية في جرائم اخرى. فالدفع الى التسوّل مثلاً معاقب فقط اذا كانت ضحيته "دون الثامنة عشرة من العمر"، والحض على الفجور معاقب فقط اذا كانت الضحية لم تبلغ الحادية والعشرين. 
في معرض توضيحه لأهمية مرور القانون دون تعديلات التحالف وعلى رأسه "كفى"، تطرق مخيبر الى "مسألة اقتصار القانون على حماية المرأة في العنوان والمضمون"، موضحاً انه لا يعزز حمايتها بل العكس، ومشيراً الى "ان أفضل الممارسات القانونية المقارنة والمعاهدات الدولية ذات الصلة اوصت بعدم اقتصار الحماية على المرأة وشمولها سائر الأشخاص المعرضين للعنف لا سيما "اتفاقية مجلس أوروبا الرامية إلى الوقاية من العنف ضدَّ المرأة والعنف الأسري ومناهضتهما" الصادرة في العام 2011". كما شددّ على وجود "أفراد معرضين للعنف الأسري لا يستفيدون من تشديد في العقوبات أو من أحكام حماية في القوانين اللبنانية النافذة".
 المقارنة غير جائزة، ليس فقط لأن في فرنسا مثلاً قانون عقوبات مدني ببنود خاصة تعنى بجرائم العنف الأسري ساري المفعول منذ الـ2010، ولا لأن قانون أحوال شخصية مدني يطبق على جميع مواطنيها ومواطناتها على حد سواء. المقارنة غير جائزة لأن وقبل الإمتثال لتوصيات اتفاقية مجلس اوروبا، اجدر بلبنان تطبيق الحد الأدنى من اتفاقية "الغاء جميع اشكال التمييز ضد المرأة" التي وقّع عليها.
لكن بغض النظر عن استحالة المقارنات، قد تكون الحجة الأقوى لإنتزاع الحق الحصري بطلب الحماية في القانون من المرأة، ضرورة حماية أولادها معها لكن حتى هذا بقي مشروطاً، في صيغة القانون الحالية، بسن حضانة الأولاد. بحسب الصيغة الحالية، يستفيد من الحماية اطفال المعنفة "الذين هم في سن الحضانة القانونية". الا ان مخيبر يطمئن الى ان القانون المعدل أتاح  "شمول أطفال الضحية بالحماية من دون مراعاة سن الحضانة حين يكونوا معرضين للعنف". لكن قانون الأحداث (422) الصادر في الـ2002 سبق هذا القانون ونص على حماية الأحداث "المهددين"،  وحدد أحد أشكال التهديد بالوجود "ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺗﻌﺮّﺿﻪ ﻟﻺﺳﺘﻐﻼل أو ﺗﻬﺪد ﺻﺤﺘﻪ أو ﺳﻼﻣﺘﻪ او أﺧﻼﻗﻪ او ﻇﺮوف ﺗﺮﺑﻴﺘﻪ".  
انما يبقى أخطر ما في التعديل برأي الناشطين، القانونيين والمتابعين على حدّ سواء، تحويل جرم الإغتصاب الزوجي الى "حق زوجي" واستبدال تجريمه في متن القانون بتجريم العنف والتهديد بغرض "استيفاء الحق الزوجي بالجماع"، ما يدلّ على "غزوة الفكر الديني المتزمّت على القانون المدني، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية، حتى على الذين شاؤوا ألّا ينتموا إلى أي طائفة"، حسب ما جاء في بيان "التحالف".
 ناقش مخيبر التعديل الذي طال هذا البند مشيراً إلى ان الصيغة المعتمدة في القانون الحالي "تؤمن حاجة تجريم اغتصاب الزوجة"، وخلص نقاشه الى ان فعل "استيفاء الحق الزوجي بالجماع عن طريق العنف والتهديد" بات جرماً معاقباً عليه في القانون اللبناني. غير ان لبّ المشكلة والتي لم يتطرق لها بتاتاً يتمثل بتسرب مفاهيم شرعية مستقاة من قوانين الأحوال الشخصية الطوائفية الى قانون الحماية من العنف الأسري الذي طُرح في الأصل بوصفه مدنياً عابراً للطوائف.
ليس قانون العنف الأسري الذي اقر بعد جولات من التفريغ والتشويه، انجازاً اذن. ففي مسيرة هذا القانون الكثير من الإنجازات منذ صياغته وطرحه على مجلس الوزراء في العام 2008، إلا ان خروجه من البرلمان بشكله الحالي يعتبر أكثر انجازات المسيرة ضحالة. ما نتج عن سنوات من الضغط والتشبيك والمناصرة والعمل المضني التي انكبت عليه "كفى" وجمعيات التحالف – اي الوعي المجتمعي حول العنف ضد المرأة – هو الإنجاز الفعلي. خروج هذا القانون بتدابير حمائية مفصّلة ومحددة للنساء داخل الأسرة، ان اعتبر انجازاً، فهو انجاز المجتمع المدني وحده، بعد ان نجّاه من  محاولات الغاء عديدة. أما المشرّعون، فان اقدموا على شيء إنما هو خذل الجمعيات التي سعت معهم على مدى سنوات، فضلاً عن إحباط الرأي العام الذي احتشد في الثامن من آذار الماضي للمطالبة بالقانون.  المشرّع، ان اثبت شيئاً فهو عجزه عن التصدي لضغوط الهيئات الدينية، علاوة على عجزه عن فك الارتباط بالنظام الطائفي وقوانين الأحوال الشخصية الذكورية، مع كل ما يعني ذلك من سحق للهامش المدني في الدولة، وما يترتب عليه من مساواة بين المواطنين.
 
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024