العنف الأسري... الإجتهاد يسدّ فراغ القانون

إلهام برجس

الجمعة 2014/03/21
لم يعد العنف الأسري قضية رأي عام فقط، بل تحول الى قضية خاصة بالقاضي القادر على الإجتهاد في المسألة من جهة، والمشرع المعتكف عن التشريع منذ ما يزيد عن السنة. لكن، وبرغم الصورة السوداوية السائدة، إلا أن إجتهادات بعض القضاة اللبنانيين الجريئين وذوي الكفاءة الإستثنائية، تصب في مصلحة تعزيز حماية المرأة اللبنانية من العنف عبر إجتهادات مماثلة، ما دام القانون المنشود محجوراً عليه.  في هذا الإطار عقدت المفكرة القانونية ندوة مساء أمس تناولت دور القضاء في قضايا العنف الأسري والصحة العامة.
تطرق المحامي نزار صاغية خلال الندوة الى تعريف العنف بين مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري المعدّ من قبل جمعية "كفى"، وتعديلاته في اللجان النيابية، بالاضافة الى التعريف الذي قدمه بعض القضاة في اجتهادات نوعية. برأي صاغية أنه في حين وضعت "كفى" تعريفاً واسعاً للعنف يبقى بموجبها خاضعاً للاجتهاد، وبالتالي المعايير الاجتماعية نفسها، فقد جاء التعديل بالمقابل ليضيق على المرأة باستخدام القانون من خلال إضافة الزنا الى أشكال التعنيف التي يجرمها القانون. يستند صاغية بمواجهة الإحتمالين، الى قرارات قضائية أعطت تعريفاً أكثر وضوحاً للعنف، يجب أن تستغل لمناقشة الهيئة العامة قبل اقرار القانون بالصيغة التي رسا عليها.
وقد تناولت الندوة قرارين بارزين صدرا عن القضاء اللبناني في قضايا عنف أسري. القرار الأول، يتعلق بحق ملكية منزل متنازع عليه بين امرأة وزوجها في معرض قضية طلاق بسبب العنف الذي تتعرض له. وفي حين أن القضاء اللبناني يعتبر أن الملكية حق مقدس لا يجوز المساس به، جاء قرار قاضي الأمور المستعجلة ليحمي المرأة المعنفة، معتبراً أن "سلامة الإنسان فوق كل إعتبار، وتعلو فوق حق الملكية". وبناءً على ذلك قرّر القاضي منع الزوج من دخول المنزل، معلناً تخطيه لموجب المساكنة الزوجية في ما لو لم يقع طلاق، وتخطيه لحق الملكية التي لا تزال متعلقة بالزوج عند صدور الحكم.
وفي  قضيةٍ أخرى، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في الجديدة، قراراً يحمي المرأة من العنف المعنوي. وفيما يستبعد تعريف العنف في المشروع المعدل العنف المعنوي، اعتبر القاضي أن قيام الزوج بتهديد زوجته باستخدام صور التقطاها لنفسيهما في مواقع حميمة، لإذاعة سمعة الزنا عليها، من قبيل العنف المعنوي. وبناءً عليه، فرض القاضي غرامة إكراهية بقيمة 20 ألف دولار في حال تسريب أي من هذه الصور. في القرار نفسه ذكر القاضي أن " المشرع اللبناني لم يتوصل حتى تاريخه لبت قانون خاص، ما يعرض المرأة لأضرار معنوية ومادية وللخطر دون رادع. وهنا يأتي دور الإجتهاد لسد الثغرات وتأمين الحماية المادية والمعنوية الى حين صدور القانون". 
يقابل هذه الأحكام مجموعة أخرى لا تزال ملتزمة بقدسية الملكية الى أقصى الحدود. تشرح المحامية ميساء شندر، وهي ناشطة في الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة، لـ"المدن" عن معركة  قانونية تخوضها فاطمة النشار للاستحصال على حقوقها، بعدما تعرضت له من عنف كاد يودي بحياتها وبجنينها. "استطعنا بعد جهد، وبموجب قرار من المحكمة الشرعية ومرافقة أحد موظفيها، من دخول منزل الزوج، للحصول على مستلزمات الزوجة والأولاد خاصة الاستشفائية منها"، تقول شندر. أما في المحاكم الجزائية، يواجه كلّ من أم الزوج وأخيه دعاوى بالإجهاض القسري والايذاء، والقدح والذم والتشهير بسبب ما نسبوه لفاطمة من اتهامها بالخيانة الزوجية والتشكيك بنسب الجنين للوالد. أما الزوج، وهو عسكري، فتم "استدعاؤه أمام المحكمة الجزائية بصفته شاهداً وليس متهماً، تلافياً لاعلان المحكمة عدم اختصاصها وتحويل الدعوى للمحكمة العسكرية من جديد"، توضح شندر.
أما كريستال أبو شقرا، فلم تحصل الا على تعهدات وقع عليها زوجها بعد ضروب تعنيف متكررة. تشرح المحامية ليلى عواضة الناشطة في جمعية "كفى" أن هذه التعهدات ليست ذات قيمة قانونية. وبالفعل، فان العنف من جهة، والمس المتكرر بكرامة الضحية من قبل زوجها، لم تكن كافية لاستحصال كريستال على قرار قضائي يحميها من أشكال العنف المتعددة التي كانت تتعرض لها. 
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024