اعلانات الميلاد ورأس السنة.. "مافيات" وتقارير خاطئة

خضر حسان

السبت 2016/12/24
يُنهي العام، أيّ عامٍ، أيامه بأجواء احتفالية إيجابية، تُحرك السوق، وإن بمعدل منخفض، ومهما احتدّت الأزمة الإقتصادية. فالجمهور يميل إلى الاستهلاك بنسبة أكبر من المعتاد، في الشهر الأخير من كل عام، فيرتفع معدل الاستهلاك أكثر فأكثر إبتداءً من منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر حتى نهايته.

ويحفّز ارتفاع الميل إلى الإستهلاك الشركات المنتجة للسلع والخدمات، على زيادة إنفاقها على الإعلانات، لدفع الجمهور إلى المفاضلة بين سلعة وأخرى، تحت تأثير الدعاية، حتى وإن تضمنت معلومات خادعة.

لكن النشاط الدعائي المفترض في فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، بدأ منذ العام 2015 بالتحول السلبي تحت تأثير عوامل عديدة، أهمها "المافيات التي تحكم السوق، والمدعومة أو المملوكة من بعض رجال السياسة أو أبنائهم"، وفق ما تقوله مصادر في إحدى وكالات الإعلانات (Agency) لـ"المدن". وفي الإطار، تكشف المصادر عن "شركة إعلانات جديدة شكّلها رجلان وامرأة، هم أبناء ثلاثة سياسيين بارزين. وتسيطر هذه الشركة على الاعلانات الموجودة على جسور بيروت الكبرى".

وتحت العنوان العريض لسيطرة فئة معينة على سوق الاعلانات، تأتي العوامل الأخرى التي تتغير بين موسم وآخر، وبين شركة أو وكالة وأخرى، بحسب نطاق عمل كلّ منها، وقدرتها وحجمها في السوق.

وتشهد سوق الاعلانات في عيدي الميلاد ورأس السنة هذا العام "تراجعاً مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2014. غير أن التوقعات تشير إلى تحسن السوق خلال العام 2017، مع الانفراجات التي يشهدها لبنان منذ انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة وإشاعة جو من الإرتياح في السوق"، بحسب ما يقوله صاحب شركة "وعد انترناشونال" للإعلانات، عدنان حمورة، الذي يشير في حديث لـ"المدن" إلى أن "الارتياح لم يُترجم حتى الآن بعقود واتفاقات مع شركات الاعلانات". مع الإشارة إلى أن شركات الاعلانات افتقدت هذا العام إلى عقود سنوية لحجز مساحات إعلانية مسبقة، كان المُنتجون يبرمونها لتغطية هذه الفترة من العام. ويلفت حمورة إلى ضرورة التمييز بين وكالات الاعلانات وشركات الاعلانات، فالأولى علاقتها تكون مباشرة مع شركات الإنتاج، حيث تتعاقد الشركات مع الوكالات لتسويق منتجاتها، فتقوم الوكالات بالتعاقد مع شركات الاعلانات التي تملك مساحات ووسائل الإعلان، أو تؤمّنها.

وفي السياق، تؤكد المصادر أن "عدداً كبيراً من الوكالات تقدم لشركات الإنتاج تقارير ودراسات مغلوطة عن وضع سوق الاعلانات، وخصوصاً لجهة الأماكن والمستهلكين المستهدفين بالإعلان. فعلى سبيل المثال، تعرض الوكالات تقارير للمنتجين تفيد بأن منطقة ما تستهلك منتجهم، بمعدل أعلى من منطقة أخرى، متجاهلين الكثافة السكانية وحقيقة الاستهلاك. وعليه، يظهر أن التقارير المغلوطة تنطلق من خلفيات سياسية وطائفية، تهدف إلى إبراز أهمية منطقة على حساب أخرى، بعيداً من الحقائق الإقتصادية". وتسلط المصادر الضوء على ضرورة "تواصل شركات الاعلانات مع المنتجين مباشرة، لتوضيح حقيقة السوق وأهمية الإلتفات إلى توزيع الكثافة السكانية ومعدلات الاستهلاك".

وهذه الممارسات تدفع سوق الاعلانات إلى مزيد من الارتباك، خصوصاً أنها سوق صغيرة، ورغم ذلك، تشهد خللاً بين العرض والطلب، حيث أن المساحات الاعلانية الموجودة في السوق أكثر من حاجتها، وهذا يعود إلى غياب الرقابة.

تصارع شركات الاعلانات الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من موسم الأعياد لتعويض ما فاتها بين العام الماضي والحالي. ووسط هذا الصراع، تواجه الشركات ميل المنتجين إلى تخفيف الإنفاق الدعائي واستبدالها بالعروضات المباشرة على المنتجات. فيلجأ المنتجون إلى تقديم سلعة مجاناً مع سلعة أخرى. فالشركات التي تنتج الكحول والثياب والشوكولا، وهي المنتجات التي يتركز الإنفاق عليها في موسم الأعياد، تهتم بتقديم العروضات أكثر مما تهتم بالاعلانات، فالزبون سيتجه إلى شراء المنتج الذي يحمل عرضاً مجانياً معه، بغض النظر عن الاعلان المرافق للمنتج. حتى أن المطاعم التي تشهد حفلات في هذه الفترة، تهتم بتقديم العروض أكثر مما تهتم بالاعلان عن حفلاتها، والاعلان بات يترافق مع الإشارة إلى العروضات. وهذه السياسة، وفق حمورة، "تفيد المنتجين والمستهلكين، لكنها تضر بشركات الاعلانات. علماً أن الاتجاه نحو تقديم العروضات، ليس أقل كلفة من الاعلان، لكنه يسهم في بيع المنتج بنسبة أكبر. وبما أن قطاع المواد الغذائية يشكل نحو 50% من سوق الاعلانات، فمن البديهي أن تتراجع السوق مع اتجاه شركات المواد الغذائية إلى تقليل اعتمادها على الاعلانات". فإذا كانت المشروبات والشوكولا والثياب هي السلع الأساسية في موسم الأعياد، فإن السوق عموماً تتأثر بحركة المواد الغذائية. ومن هنا يأتي تأثير حركة شركات المواد الغذائية على سوق الاعلانات.

من جهة أخرى، إذا كان ميل المنتجين وواقع التحاصص والسيطرة الموجود في سوق الاعلانات، هو أحد أبرز محركات السوق، فإن التوسع التكنولوجي لعب دوراً كبيراً في التأثير على السوق. فبالنسبة إلى حمورة، الإنترنت بات مساحة اعلانية مهمة تنافس المساحات التقليدية للاعلانات، وأهمها اللوحات والتلفزيون. فالإعلان عبر الإنترنت يحتل اليوم نحو 40% من مساحة السوق الاعلانية. وهذه النسبة مرشّحة للارتفاع في المستقبل، خصوصاً أن كلفة الاعلان على الإنترنت أرخص من الاعلان عبر اللوحات والتلفزيون. والتقدم على مستوى الإنترنت، يضع شركات الاعلانات أمام تحدي مواكبة هذا التطور، أو التقوقع، وصولاً إلى خطر الخروج من السوق.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024