الإعلام السعودي الرسمي.. إلى الليبرالية؟

بتول خليل

الأربعاء 2017/12/06
إعلانه المفاجىء عن استقالته من شبكة "إم بي سي" وانتقاله لترؤس الإعلام السعودي الرسمي، وضع الإعلامي السعودي، داود الشريان، في دائرة الضوء في الأوساط الإعلامية السعودية والعربية، حيث يكثر الحديث عمّا ينتظر الرجل من مهمّات وتحديات، بعدما صار المسؤول المباشر عن خطّة النهوض بالإعلام الرسمي، وجعله يلتحق التغييرات الجذرية السريعة التي تشهدها المملكة، والتي أراد ولي العهد محمد بن سلمان أن تكون وسائل الإعلام السعودية المحلية مشمولة بها، لإدراكه بمدى أثرها العميق والواسع في المجتمع، ودورها بتبيان أفكاره وإقناع السعوديين بمواقفه وسياساته.


صحيح أن الرئيس الأسبق للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، عبد الإله البسيوني، ابتدأ بالعمل ضمن خطة تطويرية متكاملة للارتقاء بمستوى الإعلام السعودي والدفع به إلى العالمية، حين أعلن قبل أشهر عن اجتماعه بمديري القنوات التلفزيونية لمناقشة مسار هذه الخطة وإمكانيات التعاون مع شركات محلية وعالمية في مجال الإعلام والتلفزيون، مشيراً إلى أن الخطة تشمل أيضاً كافة المحطات الإذاعية التابعة لوزارة الإعلام. لكن يبدو أنّ خطط البسيوني ومعه وزارة الإعلام والثقافة، المحصورة في الشق التنافسي، لم تحاكِ تطلعات ولي العهد، الذي بات ينظر إلى الإعلام كمدخل للانخراط في العولمة، وكقوّة تأثير وتغيير فكري وسياسي واجتماعي، الأمر الذي يتطلّب تغييراً جذرياً في سياسة إعلامية جديدة داخل السعودية تتواءم والنمط الجديد الذي تتخذه المملكة في التعاطي حديثاً مع مختلف القضايا وأعقدها وأكثرها إثارة للجدل، وعلى رأسها، كما تقول الشعارات الرسمية، محاربة الفساد والتصدّي للتهديدات الاقليمية وقضايا الدين ورجالاته. 

اختيار داود الشريان ليكون رئيساً لهيئة الإذاعة والتلفزيون ترك انطباعاً عند الكثيرين بأنّ التغيير حتماً سيطاول التلفزيون السعودي ومختلف القنوات والإذاعات المنضوية تحت هذه الهيئة، والتي يزيد عددها عن 20 مؤسسة إعلامية تلفزيونية وإذاعية، خصوصاً أن الشريان لطالما عبّر عن تفاؤله بتغيّر وضع الإعلام السعودي ورفع سقف الحريات، ولطالما انتقد الإعلام السعودي الرسمي بوصفه "إعلاماً دعائياً" لا يقوم على المعلومة، حيث إنّ معظم الأخبار فيه لا تزيد عن كونها دعايات وبيانات لأشخاص، فيما يغيب نبض الشارع السعودي وهواجسه وقضاياه عن الشاشات والصحف، التي برأيه "أدمنت مدح المسؤولين".

الشريان الملقّب "كبريت الصحافة" و"شريان الصحافة والإعلام" يبدو من أكثر المؤهلين لإحداث نقلة نوعية في جهازي الإذاعة والتلفزيون، نظراً لطول باعه وخبرته الطويلة ومسيرته الإعلامية الحافلة بالنجاحات والإنجازات على الصعيدين الإعلامي والإداري. فإلى جانب كتابة عاموده "أضعف الإيمان" منذ العام 1997 في صحيفة "الحياة"، عمل الشريان أكثر من 11 عاماً في مجموعة "إم بي سي"، وتبوّأ فيها مناصب عديدة، أهمها مدير عام المجموعة في العام 2006، إلى جانب توليه منصب نائب مدير عام قناة "العربية" ولاحقاً رئاسة تحرير موقع "العربية نت" في العام 2009. وخلال مسيرته قدّم مجموعة برامج، كان أبرزها وأهمّها "الثامنة"، الذي انطلق العام 2012 عبر قناة "إم بي سي 1"، واستمر الشريان بتقديمه لغاية إعلان استقالته من "إم بي سي" أواخر الشهر الماضي، ويعتبر واحداً من  البرامج الحوارية الأكثر مشاهدة في العالم العربي، كونه يتّسم بجرأة لافتة في طرحه لموضوعات يعتبرها المجتمع السعودي حسّاسة وإشكالية، مثل التطرف الديني والفساد في مختلف المؤسسات السعودية وعلاقة بعض السعوديين بتنظيم "داعش".

الرهان على الشريان لا ينحصر في كونه إعلامياً كبيراً ملمّاً بمفاتيح النجاح على مستوى الصحافة والإدارة، إذ إن توقيت تنصيبه رئيساً للإعلام الرسمي، يتزامن مع النقاش المفتوح حول "رؤية 2030" السعودية الشاملة لإصلاحات تطاول كافة المجالات في مقدمتها تغيير التوجّه الديني في البلاد والقضاء على بقايا التطرّف، الأمر الذي أتت ترجمته بخطوات عملانية اتخذها ولي العهد من خلال اعتقال مجموعة من كبار الدعاة السعوديين. وعليه، لا يمكن فصل كل ذلك عن الهدف من تعيين الشريان في المنصب الجديد، كونه أحد وجوه التيار الليبرالي السعودي المعارض لنهج المحافظين، المتمثلين في رجال الدين المتشددين ومؤيديهم، وهو أثنى على خطّة الإصلاحات الدينية في البلاد بهدف إعادتها إلى "الإسلام المعتدل"، في حين تلتقي مواقفه السابقة مع ما يحمله المسار الجديد في التعاطي مع القضايا الدينية. فهو كان قد هاجم في كانون الثاني/يناير الماضي، الدعاة السعوديين، وأبرزهم الشيخ محمد العريفي والشيخ سلمان العودة، متهماً الأخير بالتغرير بالشباب السعودي ودفعهم إلى "الجهاد" في سوريا. وسبق للشريان أن طالب بإغلاق القنوات الدينية المخالفة، وخصص حلقة من برنامجه "الثامنة" لمناقشة قضية انتشار القنوات الدينية والمضمون الذي تبثّه عبر شاشاتها، والذي أصبح برأيه "غاية في السوء".

تسلّم الشريان منصبه الجديد مطلع الشهر الجاري، وكانت أولى لمساته توقيعه عقداً مع الفنان المصري عادل إمام لعرض مسلسله المقبل "عوالم خفية"، حصرياً على مستوى التلفزيونات الخليجية في شهر رمضان المقبل، وشملت الصفقة أيضاً مسلسل "طايع" للفنان عمرو يوسف، الأمر الذي وصفه مراقبون بأنه مؤشر على توجه جديد ربما يغير خريطة إنتاج التلفزيون السعودي، في ظل عدم قدرة الأعمال المحلية على المنافسة في السنوات الماضية، وآخرها "سناب شاف"، الذي كان المسلسل الوحيد المنتج من هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية.

وبذلك يكون الإعلام السعودي الرسمي أمام مفاصل جديدة لا يُستبعد لها أن تكون بمنأى عن الانتقاد وإثارة الجدل. وليس أدل على ذلك من الجدل الشعبي والنخبوي الواسع الذي شهدته المملكة مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعدما بدأ التلفزيون السعودي ببث أغاني أم كلثوم، فانقسمت الآراء بين قبول ورفض وهجوم، ما قد يتكرر لاحقاً تجاه خطوات الشريان، الذي "تجاوزت جرأته العديد من الخطوط الحمر" في نظر شريحة من السعوديين، وهو الأمر الذي لطالما رسم علامات استفهام حول الرجل، دفعت البعض إلى التساؤل مراراً عمّا وراء حرّية داود الشريان، وهل هو بمثابة "الإبرة المخدرة للشعب السعودي؟".

هذا السؤال تم طرحه سابقاً، واستجرّ نقاشات واسعة شهدتها السعودية مواكبةً للفترة التي شهدت انطلاقة برامج المواجهات الحوارية على شاشات قنوات يُطلق عليها صفة "الموالية"، ما شكّل مفاجأة للمتابعين الذين لم يتعودوا على مساحة الحرية السياسية وسقفها المرتفع عبر تلك القنوات، ما ولّد قناعة بأنّ هذا انفتاح أعدّ له بدقّة ويهدف إلى سحب البساط من انفراد شبكات التواصل الاجتماعي بالنقد السياسي والمطالبات الشعبية، وتقليص وهجها في نفوس السعوديين، خصوصاً بعدما أظهرت الأرقام أن السعودية تحتل المرتبة الأولى في العالم العربي لناحية استخدام "تويتر" والتفاعل الافتراضي فيه. فهل يستتبع تعيين داود الشريان في منصبه الجديد إطلاق خطاب إعلامي جذّاب يؤهله للمنافسة ويدفعه للتفوق وخطف الأضواء من مختلف في مواقع التواصل ووسائل الإعلام أخرى؟ الأمر، على صعوبته، لا يبدو بعيد المنال في حال تُرك الأمر للشريان، الذي يؤمن بمبدأ "تلفز الناس يُشاهدك الناس". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024