فيديو "حزب الله" في حلب.. يذكّر بإسرائيل

وليد بركسية

الخميس 2016/12/29
يثبت الفيديو المروع لعناصر من "حزب الله" اللبناني، وهم يهينون مجموعة من المدنيين السوريين المهجرين في حلب، وسط البرد والثلوج، أن معركة "حزب الله" في سوريا ليست معركة نبيلة للدفاع عن الحق والعدالة وحماية المدنيين ودحض الإرهاب وغيرها من التبريرات الإعلامية، بل إن طبيعة قتال الحزب هناك تنبع من أسس طائفية مذهبية ومن أجل نبوءات دينية قديمة.


وحسب المعلومات المتناقلة مع الفيديو المتداول عبر السوشيال ميديا، فإن الحادثة جرت في السادس عشر من الشهر الجاري، حينما عرقل "حزب الله" مرور قوافل المهجرين السوريين من أحياء حلب الشرقية، اعتراضاً على حرق معارضين لحافلات كانت متوجهة نحو بلدتي كفريا والفوعة اللتين شملهما القرار الروسي التركي ضمن صفقة خروج المدنيين في حلب.



لكن قراءة الفيديو من منطلق العنصرية الشيعية تجاه المدنيين السنّة، هي قاصرة بالضرورة رغم صحتها. فالفيديو يحمل رسائل سياسية قوية، إذ يرجح أنه تم تسريبه من قبل عناصر "حزب الله" أنفسهم (بدليل أن "المصوّر" كان ظاهراً لعناصر الحزب وكان يصوّر براحة من دون أن يُساءل عما يفعل). هو منطق التبجح بالقوة. لعله، من جهة، رد على الدعوات التركية الأخيرة لإخراج كافة الميليشيات الأجنبية المقاتلة في سوريا إلى بلادها بما فيها "حزب الله"، الأمر الذي يرفضه الحزب (إيران) بوضوح كما يبدو. ولعله أيضاً رد مبطن على الروس الذين يرسمون شكل سوريا المستقبلية سياسياً، وفق اتفاقيات سياسية دولية وإقليمية في العموم، وتحديداً الرد على التصريحات الروسية التي حذرت أي طرف على الأرض من خرق اتفاق إجلاء المدنيين في حلب.

في ضوء ذلك، ربما يوجه "حزب الله"، رسالة إلى روسيا أنه قادر بكل سهولة وبساطة على تعطيل أي اتفاق تعقده روسيا، من واقع قوة الحزب الفعلية على الأرض في مناطق محددة، منها الشمال السوري الذي يقول ناشطون سوريون أن القوة الضاربة للنظام وحلفائه هناك كانت من طرف الميليشيات الموالية لإيران وتحديداً "حزب الله". قد لا يعني ذلك أن روسيا تعارض ذلك التعطيل بالمطلق، بل هي تستفيد منه لفرض شروط أفضل من منطلق أنها حالياً لا تمتلك القوة الكافية للسيطرة على ميليشيات الحلفاء أنفسهم!

والحال أن مشاهدة الفيديو المروع، تحيل الذاكرة تلقائياً إلى مشاهد عنيفة مخيفة في التاريخ الإنساني، مثل مشاهد العنصرية العرقية في جنوب أفريقيا أو العنصرية السياسية/الدينية في إسرائيل، وحتى ما كان يفعله جيش النظام السوري باللبنانيين خلال فترة الوصاية السورية على لبنان بعد الحرب الأهلية، كما تذكر بمشاهد مماثلة قام بها الأمن الإيراني لقمع الثورة الخضراء في إيران.

هذا النوع من المشاهد قد يراها غير السوريين سوريالية في مدى عنفها وكمية الإذلال التي تحتويها، لكن الواقع أن الأمن السوري له تاريخ طويل مع هذه التصرفات التي باتت علامة مسجلة باسمه، ويبدو أن عناصر "حزب الله" في سوريا يطبقون التصرفات التشبيحية نفسها تماهياً مع النظام الأمني السوري الكلاسيكي، وهذه مجرد لمحة استشرافية عن المستقبل المظلم لسوريا من الناحية الأمنية، على افتراض بقاء النظام الحالي. إذ سيتقاسم الإرهاب الأمني تجاه المدنيين، وأي معارضة، كل من الأجهزة الأمنية الرسمية والميليشيات التي تشكلت خلال الحرب.

والحال أن فائض القوة الذي يتسيد المشهد، هو الذي يجعل عناصر "حزب الله" يمنحون أنفسهم الحق بفرض هذا النوع من العقوبات والتصرفات اللاإنسانية تجاه المدنيين الضعفاء العزل، بعد مأساة تهجيرهم وحصارهم وتجويعهم وقتلهم ضمن سياسة الأرض المحروقة لشهور، كما أنه الدافع لتصوير الفيديو ونشره على المستوى الفردي (الذي يسهل تبرؤ حزب الله منه رسمياً)، فضلاً عن أنه الذريعة لفرض هذه الأسلوب البشع من الأحكام العسكرية العرفية بين الناس.


وللأسف فإن قوة السلاح هذه قد لا تجد من يوقفها أو يحاسبها على جرائمها التي قد تتكرر في كل مرة يشعر فيها الحزب وعناصره أنهم مسؤولون عن "الأخذ بالثأر"، وهنا مثلاً نذكر حادثة حرق الحافلات المتوجهة نحو كفريا والفوعة، أو عندما تكون كواليس السياسة بعيدة ولو قليلاً عن المصالح الحزبية والإيرانية. والواقع اللبناني اليومي، منذ تأسيس الحزب وتعاظم قوته، مليء بالحوادث المماثلة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024