ذكرى الثورة السورية في الإعلام الغربي

المدن - ميديا

الإثنين 2017/03/20
لم تكن الذكرى السادسة للثورة السورية حاضرة بشكل كبير في الإعلام السوري، فشبح الحرب والموت اللذين حولا نداءات السوريين الأولى من أجل الحرية والديموقراطية في العامين 2011 و2012 إلى حرب أهلية، جعلت التعامل المحلي مع الذكرى خجولاً، وكأنه نوع من الترف أمام المأساة الإنسانية. هذا التقصير ملأته الصحافة العالمية التي احتفلت بذكرى الثورة إنسانياً وسياسياً باستذكار روح الثورة الأولى وتقديم معلومات عن ضحاياها.

وركزت صحيفة "USA Today" على الذكرى بنشرها مواضيع متعددة بين مقال وتقرير وفيديو ومجموعات صور تختصر 6 سنوات من الحرب في البلاد. وخصصت الصحيفة قسم الشرق الأوسط، بالكامل، في 15 آذار الجاري، لاستعراض نتائج الحرب في البلاد. ومنها موضوع مؤثر بالصور يظهر الدمار الواسع الذي لحق بمدينة حلب شمالي البلاد وبمدينة تدمر التاريخية وبالمناطق المحاصرة في غوطة دمشق، وهي ثلاث مناطق كانت مزدهرة تاريخياً ونابضة بالحياة.

وفي موضوع آخر، نقلت الصحيفة عن مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، قوله إنه إن لم يتم اتخاذ تدابير جذرية لدعم السلام والأمن في سوريا فإن الوضع هناك سوف يزداد سوءاً، قبل أن تعرض قائمة بأبرز الإحصائيات والأرقام التي وجدتها الصحيفة مروعة وثقيلة، إذ قتل في البلاد حوالي 470 ألف مواطن سوري منذ العام 2011، كما هرب خارج البلاد حوالي 4.9 مليون شخص ونزح داخلياً 6.3 مليون آخرين، إضافة إلى وجود 3 ملايين طفل سوري تحت سن الخامسة لا يعرفون شيئاً غير الحرب ومن غير المرجح التحاقهم بالمدارس. وأشار المقال إلى رقم آخر هو 21 طفلاً، قتلهم قصف طائرات النظام عمداً في مدينة إدلب شمالي البلاد في  تشرين الأول/أكتوبر 2017، ما يعطي لمحة بسيطة عن الأوضاع في سوريا حسب الصحيفة.

تركيز الصحيفة على أطفال سوريا بالدرجة الأولى بين جميع الفئات المتضررة من الحرب له أسبابه في ظل صدور تقارير عالمية قدمتها لجنة الإنقاذ الدولية ومؤسسة "كرم" الأميركية التي يقع مقرها في مدينة شيكاغو والمعنية بالاستثمار في المدارس السورية ودعم عائلات اللاجئين، مؤكدة أنه من دون التعليم سيكون سهلاً استغلال الأطفال ووقوعهم في الفقر أو أن يصبحوا ضحية للأفكار المتطرفة، وبجميع الأحوال سيؤدي ذلك إلى نشوء جيل ضائع في البلاد.

وكانت تغطية صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية بارزة في هذا الخصوص، حيث أطلقت لقب الجيل الضائع على الأطفال السوريين بعد الحرب في البلاد متجاوزة ما قاله التقرير عن وجود حوالي 1.75 مليون طفل على الأقل خارج المدرسة، وبأن معظم الأطفال باتوا متأخرين حوالي 6 سنوات خلف مهارات القراءة والكتابة والرياضيات بالنسبة لأعمارهم، إلى إجراء مقابلات موسعة مع مسؤولين في "لجنة الإنقاذ الدولية" و"هيومان رايتس ووتش" ومؤسسة "كرم".

ونقلت الصحيفة عن بول فريسولي، وهو المستشار الفني الأول للتعليم في لجنة الإنقاذ الدولية، أن سوريا التي كانت مشهورة بالترويج لقيمة التعليم في المجتمع باتت تشهد مستويات منخفضة في معرفة القراءة والكتابة والحساب، وذلك سوف يكون مؤثراً بشكل سلبي على دفع تعليم الأطفال إلى الأمام في المستقبل، مضيفاً أن معدل الإلمام بالقراءة والكتابة كان يفوق 95 في المئة قبل الحرب رغم عدم اطلاع المنظمة على النتائج الأساسية الرسمية حول التعليم في البلاد قبل 2011.

وتوقفت الصحيفة مطولاً عند مسح أجرته الأمم المتحدة على 3000 طفل سوري في خمس مدارس شمالي البلاد، تبين أن نصف الأطفال في عمر 13 سنة لم يستطيعوا تقديم إجابات في الرياضيات عن أسئلة مصممة لتناسب عمر 7 سنوات، بينما ثلث الطلاب في الصف الثامن لا يستطيعون قراءة مقطع من 60 كلمة بشكل صحيح، وهو ما يستطيع طلاب الصف الثاني القيام به من دون مشاكل.

الجدل ذاته تكرر في افتتاحية صحيفة "واشنطن بوست" قبل أيام والتي خصصتها للحديث عن الكارثة الإنسانية في سوريا، بعد ثورة السوريين ضد دكتاتورية بشار الأسد وما تبعها من رد فعل عنيف يصيب المراقب بالذهول أمام البراميل المتفجرة التي تلقى على المستشفيات إلى حملات الحصار والتجويع لمئات آلاف المدنيين، لتخلص الصحيفة أن الأطفال السوريين يبقون أكثر المتضريين من الحرب والعنف خلال العام 2016.

وقالت الصحيفة إن الأطفال يتعرضون للتجنيد الإجباري، وباتوا منخرطين في عمليات قتالية بما في ذلك القيام بأعمال متطرفة عسكرياً وأمنياً مثل تعيينهم كجلادين وانتحاريين وحراس للسجون، واصفة المشهد ككل بأنه ضياع لجيل كامل في سوريا، خاصة أن أكثر من 1.7 مليون طفل سوري باتوا خارج النظام التعليمي داخل البلاد، كما أن أكثر من 6 ملايين طفل سوي يعتمدون على المساعدات الإنسانية في ظل الحصار وسياسة التجويع التي يقوم بها النظام.

وانتقدت الصحيفة أداء المجتمع الدولي، بما في ذلك إدارة ترامب تجاه الملف السوري، إذ تحاول الحكومات الغربية تجاهل الأزمة في سوريا وتركز على الخروج منها بأقل الأضرار بالنسبة لها بقرارات مثل منع تدفق اللاجئين اليائسين الهاربين من الموت، بينما يتابع نظام الأسد سياسة الأرض المحروقة لاستعادة سيطرته على البلاد بأكملها، متوقعة أن يكون العام 2017 أسوأ بكثير من العام السابق على الأطفال السوريين.

ولم تكن جذور الثورة الأصلية غائبة عن اهتمام الإعلام العالمي، وبرزت هنا صحيفة "دايلي تيليغراف" البريطانية التي أجرت لقاءً خاصاً مع معاوية الصياصنة، وهو اسم قد يكون مجهولاً للكثيرين كما تقول الصحيفة، إلا أنه الطفل السوري الذي أشعل الثورة في العام 2011 عندما كتب عبارات ضد الرئيس السوري بشار الأسد على جدران مدرسته، ليتم اعتقاله وتعذيبه بوحشية من قبل المخابرات السورية هو ومجموعة من رفاقه.

ورصدت الصحيفة عبر اللقاء حقيقة الثورة السورية التي نسيها الجمهور الغربي بعد تحولها إلى صراع مسلح ثم إلى حرب أهلية ثم إلى ساحة للتنظيمات التكفيرية والجهادية. والتي بدأت بحماس للديموقراطية والحرية تماشياً مع روح الربيع العربي الآتية من تونس ومصر. مبرزة التحولات التي طرأت على الصياصنة وعائلته من طفل إلى معارض ثم إلى مقاتل في الجيش الحر بعد مقتل عائلته في قصف لقوات النظام في درعا.

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تحدثت في مقال لها عن ابتلاع تنظيم "القاعدة" للمعارضة السورية، مؤكدة فيه أن المعارضين المعتدلين باتوا أضعف من أي وقت مضى مقارنة بالقوة التي بات عليها الجهاديون، مضيفة أن ست سنوات من الصراع غيرت بشكل كامل سوريا وشعبها، بعد مقتل حوالي نصف مليون شص وتهجير 11.5 مليون آخرين، وباتت الهوية السورية مهددة بالزوال، رغم أن معظم السوريين ما زالوا يقاومون فكرة تفكيك بلادهم إلا أنه من المستحيل تجاهل الأثر العميق الذي أحدثته الحرب بشكل انقسامات عميقة في المجتمع السوري.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في كثير من مناطق البلاد رسمت خطوط المعركة بين قرى كانت تعيش في سلام لفترة طويلة، لكن دينامية الطائفية التي كانت محصورة بالفئات الجهادية الأكثر تطرفاً باتت اليوم ترسم شكل المعارضة الرئيسية في البلاد عموماً، وهو ما نجح فيه النظام السوري بتحويله من كذبة إلى واقع. وبدأ ذلك حسب تحليل الصحيفة العام 2011 عندما وصف بشار الأسد الثورة بأنها مؤامرة خارجية ينفذها إرهابيون سنة ضد أمن البلاد، قبل أن يخرج مئات المتطرفين الإسلاميين والجهاديين من المعتقلات السورية لتحويل الثورة إلى حرب طائفية، ليصبح النظام وفق هذا المنطق هو حامي الأقليات من الإرهاب الجماعي الذي تمثله الطائفة السنية. كما أن السرد الطائفي الذي اعتمده الأسد في تأطيره لدوره في بداية الأحداث شجع المعارضين على انتهاج سرد طائفي مماثل.

وقالت الصحيفة إن "القاعدة" هي العدو الأول للمعارضة والسبب الأساسي وراء كل التراجع الذي أصابها، حيث بقيت جبهة "النصرة" تعمل في الخفاء من أجل كسب ثقة الفصائل المحلية وتتوسع أيديولوجياً وفكرياً وتعزز حضورها داخل جسد المعارضة، طارحة نفسها كعنصر واحد، متطرف، ضمن المعارضة السورية الواسعة متعددة الأطياف، وكانت استراتيجيتها واضحة وتقوم على الاختلاط مع السوريين كي يقبلوها ويدعموها، قبل أن تقوم العام 2016 بتغيير اسمها إلى "فتح الشام" مدعية أنها تخلت عن صلاتها بتنظيم "القاعدة" خارج الحدود السورية وهي الحركة الأخيرة من أجل إقناع ما تبقى من الفصائل العسكرية بالانضمام للجبهة التي ابتلعت المعارضة ككل وباتت أبرز عناصرها، رغم أن تلك الجهود لم تكن كافية لإقناع فصائل سلفية أخرى مثل "أحرار الشام" بالتوحد مع الجبهة، لتنشب حرب داخلية بين تلك الفصائل.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024